كتب : عماد العذري
بعد مراجعةٍ شاملة أعتقد أنه كان العام الأفضل للسينما خلال هذا العقد ،
أولاً من خلال كم الأعمال الجيدة التي قدمها ، وثانياً لقوة الشخصية التي طبعت
عدداً مهماً من أفلامه ، وثالثاً للحالة الشعورية التي خلفتها تلك الأعمال بعد فترةٍ
طويلةٍ من مشاهدتها حتى وإن لم يجد عددٌ كبيرٌ منها طريقه إلى هذه القائمة .
هنا مجدداً قائمتي السنوية لأفضل أفلام العام ، اعتمدت فيها كعادتي على القيمة الفنية للعمل أولاً ومقدار تفاعلي معه والمقدار الذي بقي منه بعد المشاهدة علاوةً طبعاً على نظرتي الشخصية لديمومته وقدرته على التجدد بتكرار المشاهدات ، ربما على خلاف كل السنوات الماضية سنحت لي الفرصة لمشاهدة الجزء الأكبر من أفلام العام الممدوحة ، قلةٌ قليلةٌ لم يتسنّ لي مشاهدتها أخص منها بالذكر أفلام لاف دياز The Woman Who Left وبابلو لارين Neruda وغان بي Kaili Blues وكيريل سيربرنيكوف The Student وبرونو دومون Ma loute وكريستي بويو Sieranevada وأليخاندرو خودروفسكي Endless Poetry .
أفضل 10 أفلام لعام 2016
10
Your Name
لا أستبعد أبداً أن أسمع عن مشروع live-action للفيلم قريباً !! ، ما يجعلني أفضّل فيلم ماكوتو شينكاي على
أفلامٍ أخرى أعجبتني هذا العام هو (الديمومة) ، هذا الفيلم يمتلك المواصفات التي قد تحيله إلى
كلاسيكيةٍ من كلاسيكيات الأنيمي القليلة التي إستطاعت - خارج منظومة ستوديوهات غيبلي
- أن توجد لها مكاناً في الإرث العالمي للسينما كما حصل مع Akira و Ghost in the Shell من قبل ، الفيلم الذي أصبح أنجح أفلام الأنيمي على الإطلاق في شباك التذاكر
العالمي (مزيحاً Spirited Away من موقعٍ احتله لـ 15 عاماً) هو قصة حبٍ غير اعتياديةٍ بين شخصين لا يعرفان
بعضهما ولم يسبق أن التقيا طوال هذه العلاقة ، يعيشان حالةً غريبةً من التواصل غير خاضعةٍ
للمنطق سرعان ما يتحول تعقيدها إلى لغزٍ غير مكتمل ، هذا الفيلم جعلني أفكر في
الكثير من الأمور التي عشتها وأعيشها ، الكثير من الأمور التي حدثت وتحدث ، وأعيد
التفكير بالطريقة التي يربط بها القدر مصائر الناس بعضها ببعض ، وببديهيات
العلاقات التي نشكلها والتي من الممكن جداً ألا تكون بالبداهة التي نعتقدها ، شينكاي الذي
يلعب عادةً في مساحةٍ غريبة بين ميازاكي وأوزو وشارلي كوفمان وبين الإعتيادي جداً وغير الإعتيادي أبداً والذي
يقتبس هنا روايةً ناجحةً كتبها هو نفسه يصل في إعتقادي إلى مستوى أبعد من النضج
قياساً لتجاربي الثلاث السابقة معه ، وبالرغم من بعض (الخفة) في تحريك
الحدث – وهو تفصيلٌ أعيبه دائماً على شينكاي وربما هو آتٍ من تأثره بأعمال الأنيمي التلفيزيونية –
يبقى هذا الفيلم واحداً من أجمل أفلام العام وأقواها شخصيةً وأكثرها بقاءًا في
الذاكرة .
9
Paths of the Soul
واحدة من أعظم التجارب السينمائية التي عايشتها العام الماضي ، جانغ وانغ في
عمله الروائي الطويل التاسع يحقق ديكودراما عظيمة عن الإيمان من خلال مرافقته
لرحلةٍ حجٍ يقوم بها بعض فلاحي التبت نحو الجبل المقدس في لاسا ، لم
يكتب لهم نصاً مكتملاً واكتفى بصناعة بعض المفاصل الدرامية لأحداثٍ تحصل أثناء
الرحلة وكتب بعض الحوارات البسيطة في جلسات توقفهم ، وحرّك كاميراه من حولهم في
واحدٍ من أجمل منجزات التصوير التي شهدتها في 2016 ، جانغ وانغ (مخرج Shower و Getting Home) رافق مسافريه – على اختلاف
أهدافهم من الحج - لمسافة 1200 كيلو متر صعوداً بإتجاه الجبل وجعل رحلتهم بالرغم
من رتابتها وصعوبتها شيئاً سينمائياً جداً ، لك أن تتخيل حجم المادة الفيلمية التي
ذهب بها وانغ إلى غرفة المونتاج كي يحصل على هذه النتيجة المتدفقة
والعذبة لرحلة قرابة عامٍ من المعاناة ظاهرها فيلمٌ من أفلام الطريق وعمقها الكثير
والكثير عن إيمان المؤمن ، ما قاله هذا الفيلم عن الإيمان يضاهي في اعتقادي ما
قاله سكورسيزي في Silence
على الضفة الأخرى ، رحلةٌ روحانيةٌ شاقةٌ عن إيمان البسطاء ، غير المبرر وغير المشكك
به ، الإيمان النقي الخالي من الأسئلة الوجودية وربما الخالي من الأسئلة عموماً ،
الثمن الذي يدفعه المؤمن في سبيل إيمانه والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه في التعبير
عنه دون أن يتيح لنفسه الفرصة حتى لطرح أسئلته عنه لأنه يعرف الإجابات التي ترضيه
سلفاً ، صورةٌ مبهجةٌ للعين تغني رحلةً جافةً على المستوى الدرامي يخدمها واحدٌ من
أفضل منجزات المونتاج العام الماضي .
8
Silence
في مشاهدتين يمكن للمرء أن يفهم (إلى حدٍ ما) لماذا لم يحظَ هذا الفيلم
بالإستقبال الذي كان ينتظره نقدياً وجوائزياً ، سكورسيزي في العمل
الذي طارده 28 عاماً يبدو مختلفاً إلى حدٍ ما عن سكورسيزي الذي تعرفه
وربما عودته هنا ليأخذ دور السيناريست أيضاً بعد أكثر من عشرين عاماً على آخر
فيلمٍ كتبه لنفسه قد يكون لها بعض التأثير وإن كان إختلاف الفيلم لا يبرر مطلقاً
حجم النبذ الذي تعرض له ، ربما أجد فرصةً أخرى للحديث عن ذلك في مراجعةٍ للفيلم ، سكورسيزي يقدم
هنا تجربته الحلم في ملامسة مجموعةٍ من أعقد الأسئلة التي طرحها على نفسه طوال
حياته : ما هو الإيمان الحق ؟ ولماذا يتطلب (الإيمان) اللامادي (أدلةً) مادية
؟ وهل الإيمان قيمةٌ لذاته ، مجدٌ لذاته يستحق أن تخسر غايته الأسمى (السمو بالفرد)
من خلال (فناء الفرد) ليكتمل ويتحقق ؟ الفيلم يقفز على التساؤلات
البديهية التي سبقه إليها الكثيرون (دراير وبيرغمان تحديداً) عن وجود الإله وصمته أمام معاناة عبيده إلى
تساؤلاتٍ عن كبرياء المؤمن والمجد الذي يحاول أن يكتسبه بإيمانه بدلاً من أن يكون إيمانه
مكتسباً لذاته ، وإلى تساؤلاتٍ أعمق قادمةٍ من صميم سينما سكورسيزي عن (الذات) -
هاجسه الأزلي في جميع أفلامه - على غرار سؤاله الشهير في The Departed : هل تريد أن تكون (مؤمناً) ؟ أم تريد أن (تبدو كمؤمن) ؟ ، تجربةٌ سينمائيةٌ أعتقد أنها ستنمو مع المشاهد لتصبح
كلاسيكيةً بمرور السنوات .
7
Graduation
رومانيا أصبحت طقساً سنوياً على ما يبدو ، كريستيان مونجيو في
عمله الروائي الطويل السادس والمكرّم بجائزة أفضل إخراج في كان 2016 يعيد الإجابة
عن السؤال الذي طرح مراراً : لماذا استطاعت السينما الرومانية في ظل أزمة
إمكانياتٍ وحقبة تحولاتٍ مصيريةٍ في البلد أن تجد لها متنفساً ومكاناً على خارطة
السينما العالمية ؟ ، حكاياتٌ بسيطةٌ في ظاهرها بالغة التعقيد في عمقها تتحرك في
خلفيتها صورةٌ كاملةٌ للبلد تتأثر بها الحكاية وتؤثر مدعومةً بتفاصيل صغيرةٍ
يكتبها مونجيو بعنايةٍ ويتيح لمشاهده سهولة التفاعل معها ، هنا حكايةٌ بسيطةٌ حد البساطة عن والدٍ يريد لإبنته أن تجتاز إمتحان الثانوية العامة بالدرجة
المطلوبة لتحصل على المنحة التي تنتظرها في كامبريدج مهما كان الثمن ، لكنه في العمق يذهب
بالحكاية أبعد من الحماس المتوقع من والدٍ يريد تأمين مستقبل ابنته أو يريدها أن
تحقق ما تريده ، نظرة على جيلٍ كاملٍ من الرومانيين عاشوا حقبة الإنطفاء
الثمانينية وإحتضار الحكم الشيوعي عندما وجدوا أحلام عودتهم إلى بلادهم تصطدم أمام
حقيقة أنهم سيعيشون سنوات حياتهم (الأهم) محاولين إيجاد مكانٍ مناسبٍ في بلدٍ ينهض
من اللاشيء ، خيبة الأمال العظيمة وفتور العلاقات وإنتحار العواطف شيئاً فشيئاً
حتى يبلغوا خريف العمر ليدركوا أن الربيع لن يأتي أبداً.
6
Aquarius
دراسة شخصية كلارا هذه تتقاطع في كثيرٍ من التفاصيل مع فيلم مارن آده Toni Erdmann عن صراع الأجيال على هامش
الفجوة الإقتصادية / الإجتماعية التي تحدث الآن في العالم الثاني والثالث كنتيجةٍ
لفارق السرعات بين العولمة الاقتصادية والعولمة الإجتماعية ، كلارا في
منتصف الحكاية إمرأةٌ تحاول التمسّك بشقتها في بناءٍ قديمٍ تغيّر كل محيطه خلال
السنوات القليلة الماضية وأصبح ينتظر ساعة التغيير التي اقتربت في هيئة شركة
مقاولات استولت على جميع الشقق فيه ، صراع التغيير هذا سبق وقدمه كليبر ميندونثا فيليو
في فيلمه الآخر Neighbouring Sounds ، يديره هذه المرة ليس فقط بين كلارا والمدير التنفيذي الشاب في الشركة ولكن أيضاً بين كلارا
وأبنائها الذين ينكرون عليها – بمستوياتٍ مختلفة – تمسكها بشقةٍ قديمةٍ يمكن أن تجني
منها الملايين ، في العمق حكاياتٌ متفرقةٌ عن كلارا ، إمتداد عمتها
المقربة ، والزوجة والأم والأرملة ، المرأة التي قهرت السرطان ، إستمتعت بالحياة
وابتسمت لها وقاومت عبوسها ، وبقيت هنا كما شجرةٍ تقاوم اقتلاعها من جذورها ، لم
أتصالح مطلقاً مع نهاية الفيلم التي حوّلته بغرابةٍ إلى فيلم حبكةٍ (بمذاقٍ
تلفيزيونيٍ) تنتهي (الحلقة الأخيرة) فيه على انتصار البطلة ، لكنني مع ذلك أسجل
افتتاني بالدراسة العظيمة التي يحققها فيليو لشخصية كلارا التي تطرزها صونيا براغا بالأداء النسائي الأفضل في العام كله .
5
The Red Turtle
أوبرا رسومية فيها كل مقومات المنتج الكلاسيكي المقاوم للزمن ، عملٌ رسوميٌ
خالٍ من الحوار من إنتاجٍ مشترك بين Ghibli اليابانية و Wild
Bunch الأوروبية أخرجه الهولندي ميخائيل دودوك دي فيت ، لوحات من الشعر المتجسد في الصورة
تنساب برقة وبهارموني عجيب لتحكي أكثر الحكايات أزلية ، حكاية كل شيء ، الإنسان
والأرض والحياة والروح والزمن ، يسلمنا دي فيت على مدار 80 دقيقة للوحاتٍ مرسومةٍ باليد تتدرج بين
الألوان المائية المشبعة والأبيض والأسود يرافقها عملٌ موسيقيٌ عظيم من لوران بيريز ديل مار
، دي فيت كان قد فاز قبل 16 عاماً بأوسكار أفضل فيلم رسومي قصير
عن Father and Daughter ، ثم عجز عن الإقدام على خطوة الفيلم الروائي الطويل لأسبابٍ إنتاجية فإكتفى
بفيلمٍ قصيرٍ وحيد هو The
Aroma of Tea بعد ذلك بستة أعوام ، حتى وجد في بريده الإلكتروني ذات صباح رسالةً – ظنها مقلباً
– من الشريك المؤسس في غيبلي إيساو تاكاهاتا يخبره رغبة عملاق الأفلام الرسومية في أن يصبح دي فيت أول
مخرجٍ غير ياباني يخرج فيلماً روائياً طويلاً للستوديو ، رسالةٌ أثمرت عملاً من
الفن الخالص يخاطب الحواس وينفذ في الروح ويتجاوز المساحات الضيقة للتفسير ويقفز
على التأطير المعتاد للرمزية ، عملٌ يكتمل في ذهن المشاهد ولا يفارق ذاكرته بعد
مدةٍ طويلةٍ من المشاهدة .
4
واحدة من بهجات هذا العام بكل تأكيد ، أكثر ما أحبه في عمل داميان شازيل هنا
هو أنه كان بإمكانه أن يكتفي بصناعة (تحيةٍ كبيرةٍ) للسينما أو للجاز من خلال التكثيف على
النوستالجيا الواضحة في الصورة وشريط الصوت ويصنع فيلماً ناجحاً ، لكنه كان يدرك
بطريقةٍ ما بأن ذلك وحده لن يكون كافياً لمنح فيلمه الديمومة التي يستحق ، حكايته
هي الحكاية البديهية التي يمكن أن تروى في إطار قصة حبٍ بين حالمين في مدينة
الحالمين ، شازيل يتعامل مع هذه البديهية بطريقةٍ تخدم فيها (تحيته الكبيرة)
في المقام الأول لكنها تخدم في الوقت ذاته مسحة الأزلية والديمومة والتكرارية الموجودة
في الحكاية ، وهذا بمفرده كان فعالاً بطريقةٍ مدهشة ، انت تتفاعل مع الحكاية وتغمر
بها وتسير معها حتى النهاية بكافة حواسك بالرغم من أنك تعرف تماماً أنه لا شيء هنا
يمكن اعتباره (جديداً) أو (خارج المألوف) وهذا في اعتقادي جزءٌ أصيلٌ من قيمة السينما
كفنٍ متجددٍ ومتمردٍ على السياق والقالب ، فيلمٌ لذيذٌ ومبهجٌ ومنعشٌ للروح
وحميميٌ جداً بالنسبة لسينيفيل ، كل خطوةٍ مستقبليةٍ لمخرجه أصبحت تحت المجهر بكل
تأكيد .
3
ربما هو أفضل فيلمٍ ألمانيٍ أشاهده منذ فيلم فلوريان هانكل فون دونرسمارك
The Lives of Others ، عملٌ ناضجٌ من مارن آده عن أوروبا المعاصرة ، أكثر ما أحبه هنا هو أن مارن أده تخلق
في هذا الصراع المادي المعنوي بين مفهومين مختلفين للسعادة بين جيلين اتسعت بينهما
الهوة كما لم تتسع في التاريخ تتالياً من المواقف التي لا تتطور في جوهرها بقدر ما
تغني في تتاليها التعليق الإجتماعي الذي تقدمه مارن آده ، كل موقفٍ
هنا لا يغني الشخصيات ولا يعزز تقدمها في الحكاية بقدر ما هو يكشف جانباً يساعدنا
على فهمها والاقتراب منها وإدراك ما تقوم به ولماذا تقوم به ، وما أحبه أكثر أن
جميع تلك المواقف – على اختلاف الشعور الذي يتولّد عنها – سهلة الالتصاق بالذاكرة
، تبقى معك حتى وان لم تتقبل الفيلم ولم تتفاعل معه بالصورة التي يريد ، وهذا
بمفرده يغني ديمومة الفيلم ، في الصورة الكبيرة للعمل لا تكتفي مارن آده بألا
تجيب عن أسئلتها في خضم هذا التشريح الإجتماعي لكنها تدرك أيضاً أن العجلة تدور
أسرع مما يمكن تخيله وأن الزمن لن يعود للوراء أبداً ، وهذه مساحةٌ أخرى أحبها
كثيراً فيه .
2
Moonlight
لم أشاهد من قبل مخرجاً يتعاطى مع ثنائية الذكورة والرجولة ضمن سياق قصة نضوجٍ
عقلي / إدراكي / جنسي بمثل هذه الحساسية
التي يتعاطى بها جينكينز مع حكاية بطله شايرون ، هذه الحساسية لم تتجسد فقط في النص البديع الذي كتبه
مع تاريل ألفين مكارني ، بل إنعكست بشكلٍ عظيم على الصورة وشريط
الصوت ، جينكينز يفتح كتاب الإخراج من الصفحة الأولى ويسير فيه خطوةً
خطوةً كي يحول هذا التطور الحاصل في الشخصية إلى تجسيدٍ سينمائيٍ يمكن إدراكه
بالقياس : مستوى حركة الكاميرا ، واللقطات التعقبية ، واللقطات نصف العلوية ، ودوران
الكاميرا حول الشخصية ، وإستخدام الإضاءة كإنعكاسٍ لحالة الشخصية ، ومعالجة الألوان المتدرجة عبر المراحل الثلاث ، ورمزية ضوء القمر ونسيم البحر والشاطىء
، والتناوب المدروس بين الـ Focus
والـ Blur
، وإستخدام شريط الصوت على عدة مستويات (الموسيقى الكلاسيكية ، والموسيقى الأصلية
من نيكولاس بريتل ، وتوظيف الأغاني ، والمؤثرات الصوتية ، وإنعدام
الإتساق البصري الصوتي) ، والأهم التناغم غير الإعتيادي بين ثلاثة ممثلين أنجزوا
ببراعة التطور الطبيعي لشايرون بين مرحلةٍ وأخرى ، هناك الكثير مما يقال عن فيلم باري جينكينز
هذا ربما أفرد له مراجعةً ذات يوم ، فيلمٌ عظيمٌ ويعيش في الذاكرة .
1
كايل
شاندلر يتواجد في فيلمي المفضل للعام الثاني توالياً ! ، التجربة
السينمائية الأكثر اكتمالاً خلال العام ، نصاً وصورةً وروحاً وأثراً ، كم العواطف
التي تتجاذب مشاهده والتأثير الذي تولده فيه أثناء المشاهدة كفيلٌ بمفرده بجعله فيلماً عظيماً لا ينسى ، ذلك الكلام الذي يقال عن خصوصية المشاهدة الأولى لأي فيلم
وبقاء مشاعرها مرتبطةً بالذاكرة مهما كان تقييمك للعمل سيجد إثباتاً قوياً له في
المشاهدة الأولى لهذا الفيلم ، ثم في مشاهداتٍ أخرى تصبح الشخصيات أغنى وتصبح
المساحات المتروكة لإكتمال الحكاية في المشاهد أكبر وأكثر تأثيراً ، كينيث لونرغان ينجز
واحداً من أفضل دراميات الحياة اليومية النقية الممتلئة ، مخرجٌ يدرك جيداً قيمة
تكثيف الحياة في الدراما بدلاً من تنقيتها من المسارات التي لا تغذي الحدث ، هذا
التكثيف يصنع هنا مزيجاً عظيماً من المأساة والملهاة ، ومن الحزن والسعادة ، ومن الأحداث
الرئيسية والأحداث العابرة ، هناك أفلامٌ تنتهي بإنتهاء المشاهدة ، وهناك أفلام
تحتفظ ببعض الأثر بعد المشاهدة ، وهناك أفلامٌ تبقى بعد المشاهدة ، هذا الفيلم (يكبر) بعد المشاهدة ، يبدأ بالنمو ويجعل صورة بطله التي تتفاعل مع الوضع الذي
يعيشه الآن إنعكاساً لكل حالات الفقد التي عشناها في حياتنا : فقدان حلم ، أو
فقدان أمل ، أو فقدان ثقة ، أو فقدان حب ، أشياء ندرك بمجرد حدوثها أنها لن تعود
أبداً وأن ألم فقدها سيكبر ويكبر ليرافقنا أينما ذهبنا ، ذروة انتاجات العام
وفيلمي المفضل فيه بكل تأكيد.
0 تعليقات:
إرسال تعليق