كتب : عماد العذري
كانّ .. تستلقي هناك على الريفيرا الفرنسية
.. مدينة المطاعم و الفنادق الفخمة و اليخوت .. قبلة السياح .. الكروازيت و المدينة القديمة
و كنيسة الأرثوذوكس الروس و جزيرة سان مارغريت
حيث سجن الرجل ذو القناع الحديدي لأحد عشر عاماً .. كل ذلك تراجع
قليلاً إلى الخلف عندما قدمت المدينة للعالم مهرجانها السينمائي الدولي الذي أصبح
أشهرهم جميعاً .
منذ اطلاقه عام ١٩٤٦
ارتبط اسم المدينة بمهرجانها السينمائي أكثر مما حدث مع أي مدينة أخرى في العالم
.. وعلى خلاف ما جرى مع برلين و فينيسيا نشأ مهرجان كان كإمتدادٍ لمهرجانٍ دوليٍ للتصوير السينمائي أسسه
وزير التعليم الوطني الفرنسي جون زاي في الثلاثينيات قبل أن يتحول منتصف الأربعينيات إلى
مهرجانٍ سينمائي ينطلق بمشاركة أفلامٍ من ستة عشر بلداً ، كحال لجنة تحكيمه حينها .
مثل برلين و فينيسيا لم
تخلُ مسيرة المهرجان من عراقيل. عجز الميزانية مثلاً أوقف دورتي ١٩٤٨ و ١٩٥٠ ، و
اضراب الطلاب والعمال قاد إلى حركة احتجاج عنيفةٍ أوقفت بعض عروض دورة ١٩٦٨.
المهرجانات الثلاثة ذاتها كانت تشكل عراقيل بالنسبة لبعضها البعض ، إما بسبب
التنافس على العروض الحصرية ، وإما بسبب توقيت انعقادها. برلين أصبح مع
الوقت جزءاً من سنويات فبراير تجنباً لفترة الزحام الحاصلة ، بينما فضّل كان أن يصبح
جزءاً من تراث مايو تجنباً لمواعيد فينيسيا .
في دورته التاسعة حظي
كان بجائزته الذهبية الخاصة : سعفةٌ من الذهب حلت مكان الجائزة
الكبرى التي كرمت أفلامه النخبة في دوراته الثمانية الأولى. بعد ذلك بأربع سنوات
قدم المهرجان للعالم سوقه التجارية حيث يلتقي المنتجون والمسوّقون من جميع أنحاء
العالم. السوق التي لم يعد يضاهيها في قيمتها وتأثيرها أي شيٍ آخر في عالم
السينما ، والتي بفضلها شاهدنا الكثير من الروائع تروج وتصل إلينا من عوالم كنا
بحاجةٍ للحظ وحده لنصل إليها. خلال بضع سنواتٍ أخرى جاء (أسبوع النقاد)
ليفتح الأنظار على بواكير مخرجين واعدين جاؤوا من كافة أنحاء العالم. تظاهرةٌ
أخرى كان لها الفضل الكبير في كمٍ آخر من الروائع وصل الينا بتتالي السنوات .
مطلع السبعينيات
تغيرت قواعد اختيار الأفلام وشُكّلت من أجلها لجانٌ خاصة عوضاً عن ترشيح البلدان
المشاركة لممثليها. عام ١٩٧٨ كان العام الأكثر تأثيراً في تشكيل الصورة الحالية
للمهرجان حيث قدم المهرجان جائزة الكاميرا الذهبية لتكريم الأفلام الأولى لمخرجيها ، وأطلق تظاهرة
(نظرة ما) التي أصبحت أشبه بمهرجانٍ سينمائيٍ مصغّر لعشاق ومريدي السينما ، كما تم تحديد مدة المهرجان بثلاثة عشر يوماً ، وبدأت لجان
التحكيم في استيعاب نجوم السينما ومخرجيها ومشاهيرها بعدما اقتصرت لسنواتٍ طوال
على الأكاديميين فقط .
في سبعة عقودٍ من
عمره أصبح كان المهرجان السينمائي الأكثر سطوةً وشهرةً وجاذبية.
عالميته الصارخة وتحرره الواضح من ارتباطه بفرنسية منشأه جعله مرادفاً شديد
الالتصاق بعظمة السينما وبريقها و بكل شيءٍ جميلٍ فيها. في سبعة عقود كرّم
المهرجان نخبة صناع السينما بجائزته الكبرى ، روبرتو روسيلّيني
و فيتوريو دى سيكا و فيديريكو فيلليني و لوكينو فيسكونتي و مايكل أنجلو أنطونيوني و فرنشيسكو روزي و ايرمانو أولمي
، ديفيد لين و كارول ريد و مايك لي و كين لوتش ، أورسون ويلز و سيسيل بي دي ميل و بيلي وايلدر و ويليام وايلر و روبرت ألتمان و فرانسيس فورد كوبولا و مارتن سكورسيزي و كوانتن تارانتينو و تيرنس ماليك و جويل كوين و ديفيد لينش ، هنري جورج كلوزو و لوي مال و جاك دومي و كلود ليلوش ، ميخائيل كالاتزوف و لويس بونويل و أكيرا كوراساوا و أندريه فايدا و فيم فيندرز و شوهي إيمامورا و ميكائل هانكه و كوستا غافراس و إيمير كوستاريتسا و عباس كيارستمي و ثيودوروس أنجلوبولوس و الأخوين داردين ، و القائمة تستمر .
ذكر أعمال أولئك
المخرجين التي منحتهم التكريم الأكبر في كان قادرٌ بمفرده على اصابة المرء بالصداع
عند التفكير بقائمةٍ كهذه. بالنسبة لي كانت هذه القائمة أكثر صعوبة من قائمتي
برلين و فينيسيا مجتمعتين بالرغم من عدم حاجتي لإعادة مشاهدة معظم اسمائها ربما
بسبب العلاقة الوثيقة التي شكلتها معها على مدار سنوات. يبقى للقوائم دائماً
سحرها وللتجربة متعتها. هنا مجدداً اختياراتٌ خاضعةٌ للهوى ، مفاخر كان الأقرب
إلى قلبي ، دون أي اعتباراتٍ أخرى .
خمسة
أفلامٍ أخرى
The Wages of Fear (1953)
The Cranes are Flying (1958)
The Conversation (1974)
Paris-Texas (1984)
The Piano (1993)
أفضل 10
أفلام فازت بالسعفة الذهبية
10
Brief Encounter (1946)
إخراج : ديفيد لين
واحدة من أجمل
رومانسيات السينما على الإطلاق ، وأهم الأعمال في المسيرة المبكرة للسير ديفيد لين. صوّر ديفيد لين هذا
العمل خلال الأنفاس الأخيرة للحرب وعرضه بمجرد انتهائها وسط حفاوةٍ نقديةٍ كبيرة في
بريطانيا وأميركا وخيبة أملٍ في شباك التذاكر. تشارك الجائزة الكبرى في العام الأول للمهرجان مع خمسة أفلام
تحوّل بعضها لكلاسيكياتٍ خالدة. نصف قرنٍ مرّ قبل أن تضعه BFI ثانياً في قائمتها الشهيرة لأعظم الأفلام البريطانية ، القائمة التي
وضعت ثلاثةً من أفلام لين في مراكزها الخمسة الأولى. تحكي كاثرين ألتمان
زوجة الأسطوري روبرت ألتمان (في أحد الأيام قبل سنواتٍ وسنوات وبعد الحرب مباشرةً ، لم يكن لدى
روبرت ما يفعله ، فذهب الى صالة السينما عصراً لمشاهدة فيلم ، لم يكن فيلماً
هوليوودياً ، كان فيلماً بريطانياً ، قال أن الشخصية الرئيسية فيه لم تكن براقةً و
لا فاتنة و تسائل لوهلة لماذا كان يشاهده أساساً ، لكنه بعد عشرين دقيقة كان يبكي
، وقع في حبها ، و جعله ذلك يشعر أنه لم يكن مجرد فيلم) .
9
The Umbrellas of
Cherbourg (1964)
إخراج : جاك دومي
أراد جاك دومي - في
العمل الثاني في ثلاثيته الرومانسية - تحويل يوميات قصة حبٍ تقليدية إلى ما يشبه
الأوبرا المشبعة بالألوان. النتيجة - المملوءة عاطفةً وحميميةً وسحراً - أصبحت
أول عملٍ روائيٍ طويل في تاريخ السينما يُغنّى حواره بالكامل. وراء الحوار
المغنّى كانت موسيقى ميشال لوغران و تصميمات بيرنار إيفين الفاتنة
التي جعلته فيلماً لا شبيه له. معه كان ظهور كاترين دونوف الأول في
الكروازيت ، حدثٌ أصبح تقليداً على مدار الخمسين عاماً التي
تلته. من سوء حظ الفيلم انه جاء في أول الأعوام العشرة التي أعاد فيها المهرجان
مسمى (الجائزة الكبرى) بدلاً من (السعفة الذهبية) إلى
تكريمه الأكبر. في دورة ذلك العام كان يحلّق فوق الجميع رفقة تحفة هيروشي تيشيغاهارا Woman in the Dunes. لجنة فريتس لانغ
منحته الجائزة الكبرى ومنحت جائزتها الخاصة لتيشيغاهارا. بعد
نصف قرن على تكريم جاك دومي ، عاد فيلمه إلى كان ليحظى بعرضٍ خاص في الهواء الطلق
، كان الجو ماطراً ، و كانوا يحملون المظلات .
8
Rome, Open City (1946)
إخراج : روبرتو روسيلّيني
في روما الإحتلال
النازي عام ١٩٤٤ توقفت صناعة السينما تماماً بسبب الحرب ، لم يكن هناك منتجون ولم
يكن هناك مال. في تلك الفترة التقى روسيلليني بعجوزٍ ثرية أرادت
تمويل وثائقيٍ عن حياة القس الكاثوليكي دون
بيتو موروزيني الذي أعدمه الألمان لمساعدته المقاومة الإيطالية. سرعان ما راقت
فكرة السينما للعجوز الشغوف فقررت أيضاً انتاج وثائقيٍ عن أطفال روما الذين شاركوا
في مقاومة النازي. فيديريكو فيلليني وسيرجيو آميدي اللذين طلب منهما روسيلّيني كتابة نصّيه اقترحا
عليه دمج الحكايتين معاً في فيلمٍ روائيٍ طويل وجد طريقه للتنفيذ بمجرد أن أجبر
الحلفاء النازي على مغادرة روما. لم تكن أموال المرأة كافيةً لذلك. عانى روسيلّيني الكثير ليخرج فيلمه
للنور. أحبه الأجانب أكثر مما أحبه الإيطاليون الذين فضلوا الهروب من سينما الحرب
التي عاشوها. مهرجان كان منحه الجائزة الكبرى في دورته الأولى رفقة خمسة أفلامٍ
اخرى بقي اسمه أشهرها ، علامةٌ تُذكر دائماً كلما تذكّر الناس (الواقعية
الإيطالية الجديدة) ، كما أسماها بازان حينها .
7
Pulp Fiction (1994)
إخراج :
كوانتن تارانتينو
قبل عقدين كان كوانتن
تارانتينو مجرد مجنون أفلامٍ ذهب ليشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان
كان مستنداً للنجاح الساحق الذي لقيه فيلمه الأول. كان في الحادية والثلاثين ، يرافق نجوم فيلمه ومنتجه هارفي
واينستاين مؤسس ميراماكس التي كانت تراهن على صناعة اسمها من خلال هذا الفيلم. كان الجميع
يتكلم عن أحمر كيشلوفسكي استكمالاً لتكريم الرجل في برلين وفينيسيا عن فيلمي الثلاثية الآخرين. فيلم تارانتينو كان ثلاثيةً بمفرده ! ثلاث قطع ربطها تارانتينو المجنون في واحدٍ من
أفضل سيناريوهات العقد. قيل يومها أن جميع أعضاء لجنة التحكيم لم يكونوا قد
شاهدوا فيلمي ثلاثية كيشلوفسكي الآخرين. أُطلقت الثلاثية كلها خلال أقل من عام و لم تكن ثورة التواصل والدعاية والعروض كما هي اليوم. وقف كلينت
إيستوود ليمنح السعفة الذهب للأميركي الشاب الذي قابل البعض تكريمه بصافرات
الإستهجان. قال يومها (لم أكن أتوقع أن أفوز بجائزةٍ من لجنة تحكيم ، لأنني لا أصنع نوعية الأفلام
التي تجمع الناس ، أنا أصنع نوعية الأفلام التي تقسمهم).
6
Viridiana (1961)
إخراج :
لويس بونويل
يقول بونويل في My Last Breath (في رحلتي من مدريد إلى مكسيكو قررتُ أن أكتب نصاً عن امرأةٍ أسميتها
فيريديانا مستذكراً قديسةً مغمورةً سمعت عنها عندما كنتُ طالباً في المدرسة. وأثناء العمل تذكرت تخيلاتي القديمة عن ممارسة الجنس مع ملكة أسبانيا وهي تحت
تأثير المخدر !! ، وقررتُ عندها أن أدمج تلك القصص). صديق بونويل خوليو أليخاندرو الذي ساعده في كتابة
النص اقترح عليه أن يصوره في اسبانيا. وافق بونويل بشرط أن تنتجه شركة بارديم التي اشتهرت
بمواقفها من حكم فرنكو. كان أول فيلمٍ يصوره بونويل في بلاده منذ عام
١٩٣٦ ، وهو حدثٌ احتفى به مخرجو اسبانيا الشباب وشجعوه عليه. نجحت عروض الفيلم
الأولية فأرسلته مؤسسة السينما في اسبانيا ليشارك في كان فعاد بجائزته الكبرى.
صحيفة الفاتيكان اعتبرته تجديفاً. رد بونويل في وقتٍ لاحق (لم
أتعمّد أن يكون تجديفاً ، لكن البابا يوحنا الثالث والعشرين يفهم في هذه الأمور
أكثر مني !!) ، السعفة الذهب لم تشفع له أمام حكومة فرنكو التي أوقفت اصداره
في اسبانيا. بقي ممنوعاً لستة عشر عاماً حتى عرض في الصالات الاسبانية لأول مرة
عام ١٩٧٧ ، كان فرنكو قد رحل .
5
Apocalypse Now (1979)
إخراج :
فرانسيس فورد كوبولا
صاحب أجمل افتتاحية
لفيلم في تاريخ السينما ! حكاية صناعة هذا الفيلم توازي في ملحميتها ملحمية الفيلم
ذاته. حمل كوبولا فكرته المجنونة وطار الى الفيلبين. منحه ديكتاتورها ماركوس تسهيلات وصلاحياتٍ
واسعة. جدوله اشتمل على ٢٣٨ يوم تصوير على مدار ١٥ شهراً انتجت ٣٧٥ كيلو متراً
من الشريط السينمائي احتاجت لعامين آخرين في غرفة المونتاج. كلف ٣٢ مليون دولار وهو رقمٌ فلكيٌ في النصف الثاني من السبعينيات جعله مثالاً دارجاً على المغامرة الانتاجية. رهن كوبولا منزله ومصنع النبيذ
الذي يمتلكه كي يكمل مغامرته. هو نفسه خسر قرابة ٤٥ كيلوغراماً من وزنه وهو
يصوّره في الأحراش. طار به إلى كان قبل أن يكتمل وعرضه
في المسابقة الرسمية كمشروعٍ غير مكتمل. في معرض افتتاحه هناك قال كوبولا (احتجنا
للكثير من المال ، و للكثير من الأدوات ، وشيئاً فشيئاً بدأ ينتابنا الجنون ،
فيلمي هذا ليس عن فيتنام ، فيلمي هذا هو فيتنام). نال التكريم
الأكبر هناك مع فيلم شلوندروف The Tin Drum وهي مناصفةٌ قابلها البعض بالسخرية والصفير.
وقف كوبولا هناك حاملاً سعفته الذهبية الثانية ، و كان ختام حقبته
السبعينية العظيمة.
4
The Third Man (1949)
إخراج : كارول ريد
في استفتاءه الشهير
لأعظم الأفلام البريطانية عبر العصور ، وضع BFI هذا الفيلم على رأس
قائمته. كان منجزاً للذكرى ذلك الذي جمع كارول ريد بنص غراهام غرين متوّجاً في كان بالجائزة الكبرى في دورته الرابعة ،
تعاونٌ أثمر أيضاً The Fallen Idol . الكثير من الحبر سال يومها حول الدور الذي لعبه اورسون ويلز في
اخراج هذا العمل. شائعاتٌ راجت حول تصريحاتٍ متباينة لويلز نفسه ، الثابت
فيها أن تأثيره الضارب في الأربعينيات كان ملهم ومحرك كارول ريد في عمله. ويلز في
مرحلةٍ لاحقة أصر على أن الفيلم كان عمل كارول ريد بالكامل ، وأكد فقط على دوره في
كتابة حوارات شخصيته (هاري لايم). لحظته وهو يقارن بين مآثر آل بيروجيا في
ايطاليا ومآثر السويسريين صنعت جزءاً من أيقونية الفيلم. يقول اورسون ويلز
لاحقاً (عندما أُطلق الفيلم أشار لي السويسريون بلطف بأنهم لم يخترعوا ساعة
الوقواق) ، كان ذلك النوع من الساعات قد ظهر في المانيا ، بينما
عندما ازدهرت بيروجيا التي امتدحها اقتباسه كان لسويسرا الجيش الأقوى
في أوروبا و لم تكن تصدّر السلم والديمقراطية كما هي الآن ! ذلك الجدل أصبح الآن
شيئاً من الماضي. آل بيروجيا قدموا للعالم عصر النهضة ، السويسريون قدموا للعالم
ساعة الوقواق ، والبريطانيون قدموا للعالم The Third Man !
3
Taxi Driver (1976)
إخراج : مارتن سكورسيزي
في قائمةٍ مماثلةٍ لمجلة Film Comment عام 1999 حلّ هذا الفيلم أولاً في كأفضل
الأفلام الفائزة بالسعفة الذهبية. صنّاع هذا العمل تحوّلوا في مرحلةٍ ما من إنتاجه
إلى نسخٍ أخرى من بطلهم ترافيس بيكل. كاتبه بول شريدر كتبه في عزلةٍ تامة كرد فعلٍ على الفراغ الذي يعيشه بعد طرده من معهد الفيلم الأميركي والحالة التي ولدها طلاقه ثم انفصاله عن
عشيقته. كان يقضي ساعاتٍ طوال في سيارته وعانى من انهيارٍ عصبي وكان يكثر
التردد على سينما البورنو ، ثم قرر كتابته في خمسة أيامٍ مع مسدسٍ محشوٍ وجاهز في
درج مكتبه ! دى نيرو بدأ الإستعداد له وهو يصوّر 1900
مع بيرتولوتشي في إيطاليا. عند عودته إلى نيويورك حصل على رخصة سائق تاكسي حقيقية وتجول في نيويورك لشهرٍ كامل و زار
معسكرات الجيش بحثاً عن لهجةٍ مجنّدٍ من الميدويست. يقول سكورسيزي في Scorsese on Scorsese أن فكرة الفيلم جاءت من الشعور
الذي يراوده على الدوام بأن الأفلام هي شيءٌ يشبه الأحلام أو هلوسات المخدرات وأنه حاول القبض على إحساس المرء أنهُ جزءٌ من غيبوبةٍ يسبح في مساحةٍ بين النوم واليقظة. سكورسيزي كان قد هدد الـ MPAA
بالقتل أو الإنتحار إذا ما منحت فيلمه التصنيف X . من الجيد أنه عدل عن قراره وتوصّل معهم إلى حلٍ وسط. لاحقاً نال التكريم ذاته الذي ناله كوبولا قبل عامين في ذروة ما عُرف بهوليوود الجديدة.
2
The Leopard (1963)
إخراج : لوكينو فيسكونتي
فيلم الدوبلاج الأشهر على الإطلاق ! كان بيرت لانكستر مفتوناً برواية جيوزيبي تومازي دي
لامبيدوزا لدرجة أنه كان يشتري عشرات النسخ ويوزعها
على محبيه وأصدقائه. لم يكن يتوقع أنه سيكون جزءاً من اقتباسها العظيم الذي حققه
لوكينو فيسكونتي ، أحد أجمل الإقتباسات السينمائية على الإطلاق. لم يكن لانكستر خياراً لدى فيسكونتي. كان فيسكونتي يحلم في مساحةٍ مختلفة ، لكن إصرار منتجيه على وضعٍ نجمٍ
هوليوودي في البطولة من أجل منحه 3 ملايين دولار يكمل بها حلمه جعلته يقلّص كثيراً من خياراته. حتى ضمن إطار المنظومة الهوليوودية لم يرَ فيسكونتي في لانكستر أكثر من مجرّد (كوبوي) ! لذلك بدأ في اضطهاده أثناء التصوير. كان يتصرّف معه بفظاظة وهو شيءٌ
أدركه الممثل الأسطوري بذكاء. حاول لانكستر إمتصاص شحنة الحنق لدى فيسكونتي قبل
أن يمنحه خطبة تقريعٍ مهذبة في موقع التصوير. قيل بأن فيسكونتي شعر بالخجل
من تصرفاته. منحه لانكستر أداءً للذكرى بالرغم من الدوبلاج الذي وضع أيضاً لآلن دولون و كلوديا كاردينالي. أفتتح ألفرد هيتشكوك دورة كان السادسة عشرة بفيلمه The Birds ، واختتمها فيسكونتي حاملاً
السعفة الذهب في حين ذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى هاراكيري كوباياشي. لانكستر و فيسكونتي
أصبحا صديقين مقربين جداً حتى وفاة فيسكونتي عام 1976 .
1
La Dolce Vita (1960)
إخراج :
فيديريكو فيلليني
أكثر مما ارتبط راشومون بفينيسيا ، إرتبط هذا الفيلم بكان ! السبب الوحيد
الذي يجعلني أضع هذا الفيلم قبل The Leopard على رأس هذه القائمة هو حالة
الإرتباط العظيمة التي صنعها بالمهرجان السينمائي الأشهر على مدار نصف قرنٍ لاحقة. أشهر أيقونات المهرجان على الإطلاق وأعظم أفلام فيلليني برأيي. سبعة
أيامٍ في مسعى السعادة والحب في أكبر متحفٍ مفتوحٍ في العالم ! يقول فيلليني بأن
أجواء روما وعوالمها الليلية وأزياء نسائها تحديداً هي ما ألهمته
صناعة هذا الفيلم. كان مفتوناً بأزياء نسائها وهي تكتسح حفلاتها الليلية. إنتاج
هذا الفيلم حكايةٌ تروى ! معظم مشاهده صوّرت في ستوديوهات تياترو 5
في شينيشيتا حيث بنى فيلليني أكثر من ثمانين موقعاً للتصوير على خلاف ما قد يبدو.
زاوجها ببراعة مع مشاهد أخرى مصورةٍ في أماكنها الحقيقية. كانت النتيجة شيئاً
طاغياً بحق. حظي بنجاحٍ كبير نقدياً وجماهيرياً. قيل أن الوجوديين والكاثوليك
كانوا أنصار فيلليني بعد نجاح Caberia و La Strada ، لكنهم أصبحوا أعدائه مع هذا الفيلم لأسباب تضاربت ، بينما ناصره هنا الماركسيون –
الذين هاجموه في فيلميه السابقين – لأنهم رأوا في عمله الجديد شجاعةً في تشريح البرجوازية الإيطالية
وفسادها الأخلاقي ! بعيداً عن كل ذلك كان مجيء هذه البهجة الخالصة في ذروة ما
أسماه الإيطاليون (المعجزة الإقتصادية) إطاراً جميلاً للإحتفاء الكبير بالفيلم ،
أشبه بإفتتاحيةٍ لحقبةٍ إيطاليةٍ جديدة ، ومع سعفةٍ ذهب تحولت تلك البهجة إلى
شيءٍ أيقوني .
0 تعليقات:
إرسال تعليق