كتب : عماد العذري
لفترةٍ قريبةٍ قبل
ختام الموسم كنت أجد في مهمة اختيار افضل مشاهد عام 2014 تحديداً مهمةً سهلة ، كان
عدد المشاهد في ذاكرتي حينها محدوداً ، لكن ما ان انتهى الموسم و قررت احصائها
صدمت بالعدد ، هناك مشاهد أخرى مهمةٌ خارج اطار هذه القائمة سأتذكرها بالخير حتماً
، يبقى الوقت السنوي الذي أقضيه في اعداد هذه القائمة هو الأجمل على الإطلاق ،
أستذكر ما بقي ، أحصرها ، أعيد مشاهدة ما حصرت ، أستثني منها ، ثم أعيد مشاهدتها
من أجل وضعها في ترتيبٍ معين ، و بها أختم علاقتي بكل موسم .
مجدداً هنا قائمتي
للمشاهد العشرين التي التصقت بذاكرتي السينمائية أكثر من غيرها في هذا العام ، لا
وجود لأي اعتباراتٍ تقييميةٍ تخص الأعمال التي تنتمي إليها ، فقط مقدار بقائها في ذاكرتي هو الحكم ، و مجدداً أقول بأن قائمةً كهذه بيئةٌ خصبةٌ لحرق الأحداث ،
فرنٌ كبيرٌ جداً ، و لذلك يجب عدم القراءة عن المشاهد في حال لم تشاهدوا تلك
الأفلام .
أفضل 20
مشهداً سينمائياً لعام 2014
20
مشهد Prison Break من فيلم The Grand Budapest Hotel
نوعية الإستقبال الذي
حظي به هذا الفيلم شيءٌ محيرٌ بالنسبة لي ، صحيح أنه واحدٌ من أفضل انتاجات العام
فعلاً ، لكنه – قياساً لإنتماءه لسينما رجلٍ إما أن تعشقها أو لا تتقبلها – حظي
بالمعجبين من خارج نطاق عشاق ويس أندرسن أكثر مما أحبه عشاق الرجل و مريدوه الكثر ، ويس اندرسن
اكتسب جمهوراً جديداً بفضل هذا العمل قد لا يتقبلون بذات القدر أعمالاً مثل Rushmore و The
Royal Tenenbaums و Moonrise Kingdom التي أحبها أكثر من هذا الفيلم ، إيقاع هذا الفيلم يبدو أسرع مما
اعتدناه منه ، شخصياته تبدو أكثر عدداً و أقل حميمية و تبقى على مسافةٍ من المشاهد
غير اعتياديةٍ في سينما الرجل ، الفيلم عبارة عن متواليةٍ طويلةٍ من هذا المشهد
الذي يقع في منتصفه و يبدو جرعةً منعشةً و شيئاً منتمياً لروح ويس أندرسن : نفحة
الهزل الطاغية ، الألوان ، السيمترية ، تتابع العناصر ضمن الكادر ، و المونتاج
الذي يمنحه مذاقاً مختلفاً قياساً لمشهدٍ هو في طبيعته مشهد هروبٍ من سجن ! ، كل
ذلك يظهر انتماءه لويس آندرسن حتى لو شعر مريدو الرجل أن هذا الفيلم بعيدٌ عنهم ..
إلى حدٍ ما .
19
مشهد It’s a buoy من فيلم Mr. Turner
روح ما يفعله العظيم مايك لي في
هذا الفيلم يمكن أن تتجسد كاملةً في هذا المشهد ، هذا الفيلم لا يقدّم الصورة
التقليدية المعتادة في أفلامٍ تتناول سيرة شخصياتٍ عظيمةٍ و مؤثرة ، هو يذهب إلى
أطراف الحكاية – زمانياً و مكانياً و بنائياً – ليلقي نظرةً من خلالها على عمق
الشخصية ، الفيلم يتناول الثلث الأخير من حياة الرجل ، الفترة التي كان فيها قد
أصبح شيئاً عظيماً و مهماً بالنسبة لأقرانه ، لا يهتم بكفاحه ، إيمانه بموهبته ،
صراعه مع الآخرين لإيجاد مكانةٍ تليق به ، يحفر من خلال التفاصيل وحدها – تلك
الهامشية منها تحديداً – كي يرسم إطاراً واسعاً لشخصيته المحور ، و هو شيءٌ عظيمٌ و
مقدّرٌ بالفعل ، في هذا المشهد يزور تيرنر معرض الأكاديمية المرتقب حيث من المقرر أن تعرض مجموعةٌ
من لوحاته مع لوحات فنانين آخرين ، يلقي نظرةً على جميع الأعمال ، يطلب البعض
استشارته و رأيه ، تلفته كمية اللون الأحمر التي يضعها جون كونستايبل في
اللوحة المجاورة للوحته ، يتناول ريشته و يضع بقعةً حمراء في وسط لوحةٍ بحريةٍ
لسفنٍ و أمواج ، يصعق الحضور بالنوبة المجنونة التي أفسد بها الرسام الكبير لوحته
بينما يثير ذلك التصرف حفيظة كونستايبل فيغادر المكان ، يختفي تيرنر تاركاً الجميع
يتساءل ، قبل أن يعود ليحيل تلك البقعة الحمراء إلى عوامةٍ مرميةٍ وسط الأمواج ،
هكذا كان الرجل طوال حياته .
18
مشهد The Chase من فيلم A Most Violent Year
برأيي هذا هو أكثر
أفلام العام المهمة تجاهلاً ، لسببٍ لا أعلمه ، دراما جي سي تشاندور التي
تغوص في رؤيةٍ مختلفةٍ لمساحة التماس بين الحلم الأميركي و عالم الجريمة تتجنب –
على غير المعتاد – دراسة التفاعل الحاصل بين عالم الجريمة و آلية (الصعود) نحو
تحقيق الحلم الأميركي التي استنزفت في أفلامٍ سبقته ، هو يركز على الآثار التي
يخلقها (الهبوط) في عالم الجريمة على صورة الحلم الأميركي التي تحققت ،
بطل الحكاية رجل أعمالٍ مهاجر حقق مسيرةً محترمةً في سوق نقل الوقود رفض خلالها
الإرتهان لعالم الجريمة و لو حتى من خلال علاقته بأهل زوجته ، يجد نفسه مضطراً
الآن للإنزلاق في الألعاب القذرة لمنافسيه عندما تبدأ بعض شاحناته بالتعرض للسلب ،
على طول الخط يدرك آبيل موراليس أن خطأً واحداً فقط في مسعى حلمه الأميركي قد ينسفه
للأبد ، ذات الصورة التي تطارد جوليان المهاجر الشاب الذي يعمل لآبيل موراليس و
يقتدي به ، في هذا المشهد يرتسم كل شيء ، يطارد آبيل الأعزل شاحنته
المختطفة بسيارته أولاً ثم ركضاً على قدميه ثانياً (مع استعارةٍ دائمةٍ للركض
الأعزل يقدمها تشاندور من حينٍ لآخر) ، عندما يقبض على غريمه و يضع المسدس في
عينه تبقى صورة الحلم (المحطم) أقوى من أن تجره للهاوية ، الهاوية تحتاج فعلاً خاطئاً
واحداً فقط ، لذلك يحرر آبيل غريمه قبل أن يكتشف أنه أعزلٌ أيضاً في جريمته و لا يعمل
لأحد ، حالة تفاعلٍ غريبة و غير نمطية يصنعها تشاندور بين الحلم
الأمريكي و عالم الجريمة ، دافع الأول نحو الثاني ، و أثر الثاني على انهيار الأول
، تفاعلٌ تختمه صورة جوليان الشاب الذي عثر بذلك الخطأ الوحيد فانتهى حلمه في
الختام .
17
مشهد The Opening من فيلم Stations of the Cross
قياساً للنوعية التي ينتمي لها هذا العمل ، هذا المشهد مختلف ، ربع ساعةٍ
كاملة في لقطةٍ ثابتة من ديتريتش بروغمان ، فتيةٌ يلتفون حول الأب بيتر ويبر الذي يجلس ليحضّرهم لما سيجري في كنيسته
الأحد القادم ، يسألهم عن الأسرار السبعة
المقدسة ، و عن التضحية التي يمكن أن يقدموها في
حياتهم ، قيمة المشهد برأيي لا تكمن في مضمونه ، هي تأتي في الواقع من الحالة التي
يصنعها ، جرت العادة في الأفلام التي تتناول مواضيع كهذه على تبني وجهات نظر ،
وجهة النظر هنا مرميةٌ تماماً ، ما نشاهده في المشهد شيءٌ لطيفٌ جداً ، شيءٌ مختلفٌ
عن أي نبرةٍ هجائيةٍ أو تهكميةٍ يفترض أن يحملها الفيلم قياساً لأحداثه اللاحقة ،
نبرة الحديث صادقةٌ جداً ، طريقة الإقناع هادئةٌ و لطيفة و غير اعتيادية ، مستوى
تفاعل الأطفال أنفسهم مع ما يقوله الأب و تفاعله هو معهم بالمقابل ، المشهد – كما هو
الفيلم لاحقاً – لا يتبنى وجهة نظر ، يضع كل شيءٍ أمامك على الشاشة ، و يترك لك
كمشاهد حرية تشكيل وجهة النظر ، عندما نسترجع الأفلام التي تناولت الكنيسة من
الداخل – أو أي مرجعيةٍ دينيةٍ عموماً – سنجد ذلك شيئاً نادراً بالفعل .
16
مشهد The 15th Day من فيلم The Tale of Princess Kaguya
هذا الإقتباس صعبٌ
فعلاً و عظيمٌ فعلاً ، إيساو تاكاهاتا يقدم أقدم الحكايات المكتوبة في تاريخ الأدب
الياباني في فيلمٍ رسومي ، عملياً لا يبدو الشكل القصصي المتوقع للحكاية بعيداً
عما نحصل عليه فعلاً ، عظمة ما يفعله تاكاهاتا أنه يدرك تماماً مواقع قوة الحكاية و أين يمكن أن
تؤثر فعلاً في المشاهد فيخلق ذلك التأثير حرفياً ، الشعور المفاجيء – الإنقلابي في
الحكاية - الذي ينتاب كاغويا عندما تدرك حقيقتها و حقيقة ما جرى لها هو ذات الشعور
المفاجيء الذي يراود المشاهد و ربما حتى قد يزعجه ، كاغويا ، الفتاة
المعجزة التي ولدت من ساق خيزران و كبرت أسرع من أقرانها و امتلكت ثروةً جاءتها من
ساق خيزران تكتشف في لحظة غضبٍ من نزوة الإمبراطور أنها لا تنتمي إلى عالمنا ، و
أن أمنيتها العابرة حينها بالرحيل من هناك ستتحقق في غضون 15 يوماً حيث ستعود من
حيث جاءت و ستمحى كل ذاكرتها على الأرض ، تجربتها التي لن تنساها ، حيث أصبح لها
والدان و أصدقاء و حياةٌ تعيشها ، كل ذلك سيتلاشى للأبد ما أن ترتدي رداء القمر ، و
عندما يأتون لأخذها يصنع إيساو تاكاهاتا واحداً من أكثر المشاهد المؤثرة في 2014 ، و
أحد الإثباتات الكثيرة على كيف يمكن للإقتباس الأدبي أن يبدو فخماً على الشاشة في
فيلمٍ سيغدو كلاسيكيةً في صنفه خلال بضع سنواتٍ قادمة .
15
مشهد Chinese Express من فيلم Nightcrawler
قيمة هذا المشهد
برأيي – في فيلم مليءٍ بالمشاهد المهمة – هو المنحى الذي يضيفه للحكاية من خلال
إعطاء المشاهد صورةً مبسطة عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه لويس بلوم من
أجل تحقيق النجاح في مهنته المثيرة للجدل ، هذا الرجل على استعدادٍ لأذية مساعده
جسدياً ، و لتعريض الكثيرين للخطر من أجل سبقٍ تلفزي ، في المشهد يتابع بلوم و مساعده
ريك مجرمين فارين من العدالة كانا وراء جريمة قتلٍ ارتكبت
الليلة الماضية ، عندما يتوقفان لتناول الطعام في مطعمٍ صينيٍ للوجبات السريعة
يجري بلوم مكالمته الهاتفية مع الشرطة ، بلوم لا يسلّم
مطارديه للشرطة من أجل أن تأخذ العدالة مجراها ، هو يسلّمهم من أجل أن يقوم بتصوير
لحظة التسليم ، هو على استعدادٍ للمغامرة بأرواح الأبرياء في المطعم من أجل
مواجهةٍ مثيرةٍ لرجال الشرطة مع رجلين مسلحين ، يندفع الحدث في المشهد متبوعاً
بمتواليةٍ مجنونةٍ من المطاردات تنتهي على صورةٍ ختاميةٍ لذئبٍ بشري جائع يبحث عن
سبقٍ في صورة أكثر الناس قرباً منه .
14
مشهد The Avalanche من فيلم Force Majeure
لفترةٍ قريبةٍ كنتُ
أراه مجرد مشهدٍ معمولٍ و يبدو حقيقياً جداً ، لاحقاً وجدت فيه شيئاً أعمق ، في
أحد نقاشاتي السينمائية مع أحد الأصدقاء فوجئتُ بصديقي يتحدث عن نذالة التصرف الذي
قام به الأب ، عندما حصل الإنهيار و شاهده يهرب اندهش و شعر بأن هذا التفصيل خطأٌ
كان يفترض بالمخرج تداركه ، لكنه لاحقاً اكتشف أن ذلك الخطأ هو محرك الحكاية كلها
، ابتسمت و هو يتحدث لأنني لم الاحظ تصرف الأب اساساً في المرة الأولى ، ربما هذه
الجزئية هي عمق العمل كله ، قدرتك على ادراك الفعل و ملاحظته وسط لوحةٍ كبيرةٍ
مخيفة – كما فعلت الزوجة - و بالتالي القدرة على ادراك الخطأ فيه ، أو عدم ملاحظتك
اياه – وسط تلك اللوحة الكبيرة المخيفة – و بالتالي الإحساس بأن كل ما يحصل من قبل
الزوجة شيءٌ مبالغٌ به ، لا أعتقد اطلاقاً أن أوستلوند صنع ذلك
التفصيل عبثاً ، عدم ادراكنا لأهمية ذلك التفصيل ضمن هذا المشهد و كيف يتحول الى
محورٍ للحدث لاحقاً شيءٌ يصنع عمق الفيلم الأساسي : الطريقة التي نتقبل بها الأمور
، و ننقدها ، و نقيمها ، و كيف تقوم في أساسها على شيءٍ من المبالغة في تقييم
التفاصيل من وجهة نظر البعض ، أو الإنتقاص منها من وجهة نظر البعض الآخر .
13
مشهد Human/Alien من فيلم Under the Skin
في الفيلم العديد من
المشاهد المهمة ، هذا المشهد محوريٌ جداً ، على مدار جولاتها في الريف الأسكتلندي
اختبرت بطلة الحكاية شعور (الغرابة) الذي راودها في هذه البيئة ، شعورها الذاتي و ليس
شعور الآخرين تجاهها ، الآخرون على العكس رأوا فيها شيئاً أليفاً جداً ، المرأة
الحسناء التي تبحث عن إجابة ، مجيئها إلى الأرض كان من أجل إغواء أولئك الرجال
الذين شعروا تجاهها بـ (الألفة) ، بين أولئك جميعاً كان لقاؤها بهذا الرجل المشوّه
الذي يعيش شعور (الغرابة) مثلها ، لكنه يعيشه في بيئته ، في المشهد لقاءٌ وجهاً
لوجه – بين (أغرب شكلٍ بشري) ، و
(أكثر أشكال الغريب بشريةً) (في
جسد واحدةٍ من أكثر الممثلات جاذبيةً في زماننا) ، لا يشعران بالغرابة سوى في داخلهما
و ليس تجاه بعضهما ، هي الكائن الوحيد الذي وجد فيه شيئاً أليفاً ، من أجله فقط
تتعرى بشكلٍ كليٍ عندما تأخذه إلى منزلها لاحقاً ، روبوتيتها الواضحة و بشريته
الواضحة تجعلان المشهد أشبه بصراعٍ غريبٍ بين الروح و الجسد ، بدايةٌ لتحولٍ
دراميٍ في الحدث استثمر تجارب الإغواء التي مارستها على مدار عملياتها السابقة ،
ضحيتها الجديدة تجعلها (تنظر في المرآة) ، و
تدرك – لأول مرة – أن (عينيها) لم
تعودا كما السابق ، في ختام لقائهما لاحقاً يحرر (الغريب البشري) (البشري الغريب) و ينطلق
الى حيث لا مزيد من ذلك .
12
مشهد Voicemails من فيلم Interstellar
بالرغم من كل ما قيل
و يقال وسوف يقال عن الفيلم ، هذا المشهد مؤثر و واحدٌ من قلةٍ قليلةٍ من اللحظات
العاطفية التي استثمرها نولان بشكلٍ جيدٍ في الفيلم ، بعيداً عن كل مشاكل العمل و
الساعات الثلاث الثقيلة جداً التي عشتها معه كان هذا مشهداً مهماً ، في المشهد يعود
كوبر و أميليا براند إلى متن مركبتهم الفضائية بعد مجازفتهم المجنونة
في كوكب الدكتور ميلر حيث فقدوا زميلهم دويل هناك ، يستقبلهم الدكتور روميلي الذي يذكرهم أنهم قضوا أكثر من 23 عاماً في
الخارج ، في المشهد يجلس كوبر ليستعرض البريد الصوتي الذي وصله من الأرض على مدار تلك
السنوات الثلاث و العشرين ، حياةٌ كاملةٌ مرت بها أسرته في انتظاره ، تباينٌ زمنيٌ
بين رجلٍ يجلس أمام الشاشة بعدما تركها قبل بضع ساعاتٍ فقط ، و أسرةٍ في الجانب
الآخر من الكون مرت عليها 23 عاماً خلال تلك الساعات القليلة ، يجلس ليختبر شعور
البعد و الفقدان و مرور الزمن على ملامح إبنه الذي كبر ، حفيده الذي أبصر النور و
جده ما يزال في ثلاثينيات عمره ، ثم ابنته ميرف التي رفضت على مدار سنوات أن ترسل له بريداً بعدما تركها
ذات يوم ثم انقطع عن مراسلتهم لسنواتٍ طوال ، قررت أن تجلس لتخاطبه في يوم عيد
ميلادها الذي أصبحت فيه في نفس عمره يوم غادرها ، أخبرها ذات يومٍ أنه عندما يعود
ربما سيكونان في العمر ذاته .
11
مشهد S-14 من فيلم Mommy
الفيلم كله عبارة عن
سلسلة من المشاهد المؤثرة ، هذا بالتأكيد واحدٌ من أفضلها و أكثرها بقاءً في
الذاكرة ، مطلع الفيلم ترفض ديان دوبريه مشورة مشرفة الرعاية الإجتماعية بإللجوء لقانون S-14 الذي يسمح لأي والدٍ بتسليم إبنه المصابٍ بمرضٍ سلوكي إلى مستشفى
حكوميٍ عند عدم قدرته على تحمل تكاليف علاجه ، ترفضها بحجة قدرتها على رعاية إبنها
الذي يبدو قريباً جداً من الذهاب إلى الإصلاحية نتيجةً لجريمة حرقٍ أقدم عليها
مؤخراً ، على مدار الفيلم ينهمك دولان في تصوير نوعية الكيمياء التي تولدت بين مثلث شخصياته و
أثر ذلك بصورةٍ أو بأخرى على الفتى ستيف ، لكن الدعوى القضائية المرفوعة عليه لتسببه بحرق أحد
الفتية في دار الرعاية قد تفسد كل شيء ، تعزز ديان من علاقتها
بجارها المحامي على أمل إنقاذها من تعويضٍ ماديٍ لن تقوى عليه ، لكن حتى علاقتها
بذلك المحامي يفسدها ستيف في ليلةٍ مجنونة ، لا يبقى أمام ديان إلا
اللجوء لقانونٍ لا تحبه لتضع ستيف في تصرف مستشفى حكوميٍ بسبب عجزها عن القيام بواجبها
تجاهه ، عندما يأتي طاقم المستشفى لأخذ ستيف يصنع دولان واحدةً من أكثر لحظات 2014 تأثيراً في المشاهد ، و مع كل
كلام ستيف البذيء بحق والدته تحفر كلمة Mama في عظم
المشاهد في حين تنفعل كايلا و تنهار ديان على وقع ما يتعرض له ابنها ، فورةٌ مجنونةٌ تختبر أقوى و
أجمل العواطف البشرية على الإطلاق .
10
مشهد Dave’s Interview من فيلم Foxcatcher
الفيلم كله يقوم على قيمة مشاهده الحوارية بالذات ، هذا برأيي مشهدٌ مهمٌ
جداً ، على جانبي شخصية مارك شولتز شخصيتان لعبتا دور الوالد ، أحدهما اهتم به و أوصله إلى ما هو عليه ، لطيفٌ ، ودودٌ ،
قريبٌ من القلب ، يأخذه في حضنه و يربت على كتفه ، و الآخر ذو أفكارٍ لا يستطيع هو
ذاته القبض عليها ، عزلته و بروده لا يمكن لكرمه و كلماته الرنانة أن تطغى عليها ،
لمدةٍ طويلةٍ من الفيلم تقف الشخصيتان في الصف ذاته : مصلحة مارك ، و كلٌ لهدف ، لذلك فإن مدى التقارب و التباعد بين
الشخصيتين لا يظهر بوضوح كما يفعل في هذا المشهد ، الملفت أن هذا المشهد لا
يجمعهما ، هو حوارٌ بين رؤيتهما لبعضهما البعض دون أن يجتمعا ، في المشهد يطلب ديفيد بينيت ، وهو ذات المخرج الذي نفذ الفيلم الوثائقي الحقيقي عن
حياة جون دوبونت ، من ديف شولتز الجلوس أمام
الكاميرا للحديث عن نظرته لجون دوبونت كمدربٍ و قائدٍ و ملهمٍ له ، ديف الذي لا تروقه الفكرة و لا يعبر عن ذلك صراحةً يؤكد
طلبه لبينيت (ما الذي تريدني أن أقوله ؟) ، ديف يدرك في هذا
المشهد – كما المُشاهد – أن هذا الوثائقي جزءٌ من سلسلةٍ طويلةٍ من الأحداث التي
تؤكد البعد المرضي الذي تأخذه شخصية جون دوبونت أكثر فأكثر ، محاولته أن يبدو للآخرين شيئاً مهماً كرد
فعلٍ على عقدةٍ متراكمةٍ ولدتها علاقته المضطربة بوالدته مالكة الإصطبلات المعروفة
، ديف لا يرفض ، لكنه في الوقت ذاته لا يشعر بالإرتياح لتملق
الرجل و تأكيد إدعاءاتٍ لا يستحقها ، ملامح وجهه تقول اكثر مما يقال ، لا يقول
المطلوب تماماً في المرة الأولى ، يُعيد ، يؤكد على أنه يقول ما يطلب منه ، ثم
يقوله بطريقته مع ذلك ، هذا المشهد يمنح عمقاً وقيمةً إضافيةً لشخصية ديف شولتز بعيداً عن صورة رجل العائلة المحب لشقيقه ، أو مدرب
المصارعة المحترف تحت إدارة جون دو بونت ، مارك روفالو جعله مشهداً فخماً .
9
مشهد I just thought there'd be
more من فيلم Boyhood
من أذكى ما فعله نص ريتشارد لينكليتر هو إبتعاده بشخصية الأم عن الإنفعالات و الفورات
العاطفية تجاه أبنائها ، محاولة القبض على شعور المعايشة اليومي الذي لا نشعر من
خلاله بعظمة الأم من واقع فوراتها العاطفية تجاهنا و إنما من واقع كونها أماً قبل
كل شيء ، ذلك وحده يجعلها عظيمةً دون الحاجة لأي شيءٍ آخر ، على مدار الحكاية
نشاهد مقدار التقلبات التي عاشتها ، زيجاتها الثلاث ، عودتها لصفوف الدراسة ،
بحثها عن عمل ، و تنقلها الدائم من أجل رعاية أبنائها ، ثم تأتي تلك اللحظة التي
تشعر فيها أن مهمتها قد انتهت ، و أن ابنائها ذهبوا ليصبحوا إصداراتٍ جديدةً
مختلفةً عنها عليهم أن يشقوا طريقهم في الحياة كما فعلت هي ، لا تحتاج لأكثر من
سؤالٍ من إبنها ميسن عن صورةٍ سيأخذها مع حاجياته حتى تنفجر ، تفرّغ الشحنة
العاطفية لإمرأةٍ اضطرت ان تتحمل الكثير كي ترسل ابناءها إلى الجامعة ، ميسن ذاته
يندهش لتلك الفورة ، تخبره عن لحظات حياتها التي تمر الآن أمامها ، كيف سيتلاشى كل
ذلك و لن يعود أمامها سوى أن تنتظر وفاتها ، مصدر أساها هنا ليس حالة الفقد ذاتها
، بل اعتقادها أن ذلك مر بتتالٍ منعها عن الإستمتاع به و إدراك قيمة لحظاته ،
الحياة التي لا تتوقف و لا تنتظر ، و الإعتقاد الخاطيء بأن (هناك المزيد) ، عندما لم يعد هناك مزيد .
8
مشهد Wanda's Window من فيلم Ida
فاندا غروتز الناشطة الشيوعية في مواجهة الإحتلال النازي لبولندا و التي
أصبحت لاحقاً المدعي العام في حقبة المحاكمات الصورية في خمسينيات القرن الماضي
التي ساهمت في تشكيل وجه الحكم الشيوعي في بولندا الحرب الباردة ، فاندا تستقبل إبنة شقيقها آنا (التي تخبرها أن اسمها الحقيقي هو إيدا) و تحاول أن تجعلها تستكشف بعض (الملذات الدنيوية) في حياتها قبل أن تعود إلى الكنيسة لتقدم نذورها ، إيدا تقاوم ذلك ، هدفها من هذا الزيارة بسيط : الذهاب في
رحلة للعثور على جثث عائلتها التي قضت في الحرب ، في الرحلة تعثر المرأتان على
الرجل الذي شارك عائلة إيدا منزلها قبل أن يقتلهم و يهب إيدا الطفلةً إلى
الكنيسة ، كان العثور على يهودٍ في المنزل جريمةً لا تغتفر ، يخبرهما أنه قتل طفل فاندا أيضاً ، كان مختوناً و من الصعب تمريره إلى الكنيسة ، يقودهما إلى المدافن
حيث تعودان من رحلتهما بالألم ، الماضي ، و عظام الموتى ، تفترقان و تعودان
لحياتهما المعتادة ، لكن التجربة تبدو أصعب من المرور عليها ، في المشهد تجلس فاندا في
منزلها ، تستمع إلى موزارت (سيمفونيته الأخيرة تحديداً Jupiter كنايةً ربما عن الختام) ، تفتح نافذتها ، تدخن ، تذهب إلى الداخل
، تعود ، ترفع مستوى الصوت ، تذهب ، تعود مجدداً ، تطفىء سيجارتها ، ثم تلقي
بنفسها من النافذة ، واحد من أجمل مشاهد الإنتحار التي وضعت على الشاشة الكبيرة .
7
مشهد Speak Low من فيلم Phoenix
جاء الفيلم متأخراً لكنه أصبح واحداً من مفضلاتي لعام
2014 ، كريستيان بيتسولد مجدداً و أبداً مع نجمته الأثيرة نينا هوس في
هذا الدراما التي تبدو مزيجاً غريباً من راينر فيرنر فاسبندر و بيدرو ألمدوبار ، حكايةٌ مغنيةٍ خسرت كل شيءٍ في الحرب حتى
ملامح وجهها ، لكنها عادت تبحث عن الحب و عن زوجها عازف البيانو الذي فقدته و لا
يتعرف عليها الآن ، خيبة أملها و تحذيرات صديقتها من خيانةٍ تعرضت لها على يديه
يجعلها لا تكشف نفسها له و تتماهى معه في لعبته التي يهدف منها للحصول على ميراثها
من عائلةٍ قضت بأكملها في الحرب ، أثناء تلك اللعبة تترنح عاطفتها بين شعور
التجاوز و التغاضي و الإنكار و الحنق و الاحتقار ، لا تدري تماماً ما الذي كانت
تعنيه له ، و إلى أي مدىً أحبها ، الشيء الوحيد الذي كانت متأكدةً منه هو قلبها
الذي على استعدادٍ للقفز على كل شيءٍ من أجل البقاء مع من تحب ، في ذروة اللعبة
تدرك أن الرجل اعتقل ذات يوم ، و أطلق سراحه قبل وقتٍ قصيرٍ جداً من القاء القبض
عليها ، و أنها كانت ضحيةً لتضحيةٍ غير مقصودة ، قبض عليها و قام هو بتطليقها
بمجرد حصول ذلك ، لذلك هو عاجزٌ الآن عن الحصول على ميراثها ، تسير معه حتى
النهاية ، تصبح (هي) ، تلتقي الأصدقاء مجدداً ، و تلعب أمامهم دورها القديم ،
الزوجة المحبة ، تلعبه حتى النهاية عندما تطلب منه عزف مقطوعة الألماني كيرت فيل التي
أعدها لحبيبته المغنية لوته لينيا Speak Low ، عندما تتحول أمامه إلى صورتها القديمة و تنهي كل شيء ، واحدة من أجمل
قفلات 2014 .
6
مشهد The Wedding Dance من فيلم In Bloom
أربع دقائق من الرقص المتواصل ، لكن جماليتها تتضاعف وفقاً للسياق الموضوعة
فيه ، هذا المشهد هو صراعٌ مبطنٌ بين الصورة الشاعرية للحياة و الحياة ذاتها ، قبل
هذا المشهد كنا نراقب العلاقة العاطفية التي تشكلت بين ناتيا و لادو أحد شباب المنطقة الذي يمنحها مسدساً قبل
ذهابه إلى موسكو ، يخبرها أنه سيعود ليتزوجها ، إيكا صديقة ناتيا تكون شاهدةً على تلك العلاقة و شاهدةً على
نظرةً صديقتها للحياة و الحب ، و عندما يقوم كوتي أحد فتية الحي بإختطاف ناتيا مع اصدقائه ، يكون رفض إيكا لما جرى أعنف من رفض ناتيا ذاتها ، ربما رأت في ذلك تجربةً مختلفة
تعيشها ، بقيت إيكا وفيةً لعلاقة الحب التي تشكلت بين ناتيا و لادو أكثر من وفاء ناتيا نفسها التي تفاجيء صديقتها بموافقتها على
الزواج من كوتي ، تزوجته لأنها (تعتقد أنها تحبه) ، و لأنه (طيب القلب) ، في الزفاف تكون إيكا بعيدةً عن كل ما يجري ، عاجزةً ربما عن تصديق ما يجري ، تطلب الإنفراد بناتيا كي تسألها عن حبها ، تشعر بأن صورتها
الشاعرية للحياة تحطمت أمام نظرة صديقتها المختلفة لتلك الحياة ، تخرج لتشرب كأساً
قبل أن ترقص في عرس صديقتها رقصة طائرٍ جريحٍ لم يجرحه أحد .
5
مشهد Rushing or dragging من فيلم Whiplash
بعيداً عن بعض مشاكل الفيلم هنا و هناك يبقى عملاً مقدراً ، هناك تفاصيل تستحق
التقدير فيه و هذا المشهد أحد أكثر ما سيبقى بعد مشاهدة هذا العمل ، قبل هذا
المشهد كانت علاقة آندرو نيمان بتيرنس فليتشر ما تزال قيد الإختبار ، عضو جديد في فرقته في معهد شافر الموسيقي ، من الطبيعي أن تبدأ بالود ، السؤال
عن العائلة ، المؤهلات ، و الموسيقى التي يستمع لها ، يخبره في الخارج أن تشارلي باركر لقّب بـ (الطير) لأن جو جونز رمى الصنج على رأسه ، في الداخل يقوم فليتشر برمي المقعد على رأس آندرو عندما لا يتبع ايقاعه ، هذا الفيلم كان
بحاجةٍ للدفعة العنيفة التي يحققها هذا المشهد في شخصية فليتشر ليصل بالحكاية إلى ما يريده لاحقاً ، يجب أن
يصل للمشاهد شعور الغضب و الضغط النفسي و المبالغة و الجنون الذي يفرغه فليتشر في طلابه كي يجعل من أحداث فيلمه اللاحقة
شيئاً متقبلاً ، و هذا برأيي يتحقق بإمتياز بفضل مايلز تايلر و جي كي سيمنز ، البهجة التي تملأ الأول مطلع المشهد و
التدرج الذي تتحول به إلى حسرةٍ كبيرةٍ جداً ، و الهدوء الذي يبدأ به جي كي سيمنز المشهد قبل أن يتحول إلى وحشٍ مفترس ، مشهدٌ
يستخرج كل ما يريده الورق منه ، كل شيء .
4
مشهد Graduation Party من فيلم Boyhood
بين كل المشاهد المماثلة هذا برأيي هو الأجمل على الإطلاق ، هذه ليست مجرد
حفلة تخرجٍ عائلية ، هذه حفلة تخرجٍ لفتىً شاهدناه يكبر أمام أعيننا ، عايشنا شعور
والدته منذ قادته إلى يومه الدراسي الأول ، كبر بأحلامها و بنصائح والده و مشاكسات
شقيقته ، أصبح الآن أمامنا – بذات ملامحه التي عرفناها – مستعداً لمغادرة هذا
المنزل ليبني مستقبله ، تجتمع العائلة كلها ، تتوالى الكلمات من أشخاصٍ شاهدناهم
هم أيضاً يكبرون أمام أعيننا ، ثم تخاطبه والدته بعينين ترقصان فرحاً ، في مشهدٍ
عابرٍ في حفل الأوسكار الماضي عند إعلان فوز باتريشا آركت بأوسكار أفضل ممثلة مساعدة كان إيلار كولترين يجلس في الخلف و احتاج إلى وقتٍ أطول كي
يغادر مقعده لتهنئتها فلم يدركها ، أثناء خطابها كانت الدموع في عينيه ، حجم
الكيمياء التي شكلها مع باتريشا آركت على مدار السنوات جعلت علاقتهما على الشاشة علاقة أمٍ بإبنها فعلاً ، تقول
باتريشا آركت أنها بكت في يوم التصوير الأخير لأن هذه الحياة البديلة ستنتهي ، عندما
تخاطب ميسن في يوم تخرجه نشعر بالسعادة الحقيقية تطل من عينيها ، و عندما تقول له I love you, babe.. so proud of you تبلغ ذروة الصدق الأدائي في
هذا الفيلم ، بالتأكيد واحدٌ من أجمل مشاهد 2014 .
3
مشهد Under the Skin من فيلم Under the Skin
هناك مشاهد ترفض مغادرة الذاكرة مهما حاولت ذلك ، و هذا واحدٌ منها ، بطلة
الحكاية نجحت في الفرار من مهمتها لكن رؤساءها لن يجعلوا ذلك يمر بسهولة ، في
الريف الأسكتلندي تجد نفسها مغمورةً بعطف رجلٍ غريبٍ يقودها إلى منزله ، تبدأ
بالشعور بأشياء لم تشعر بها من قبل ، في لحظةٍ حميميةٍ تحاول أن تختبر العلاقة
العاطفية معه ، تكتشف أنها لم تؤهل لذلك ، تقودها خطاها لاحقاً إلى غابةٍ كثيفة ،
تبدأ بعيداً عن مهمتها في اكتشاف مشاعر لم تختبرها من قبل ، الضياع ، و الخوف ، و
الصدمة ، مشاعر بشريةٌ جداً ، تضيع في تلك الغابة حيث تنام في كوخٍ خالٍ قبل أن
تستيقظ على قاطع أخشابٍ متحرش كان قد قابلها قبل ذلك بإبتسامة الحمل ، تفر منه حاملةً
الكثير من خوفها و صدمتها و ضياعها ، مشاعر حمتها مهمتها المبرمجة من الإحساس بها سابقاً
، تلجأ إلى شاحنة الأخشاب ، عالمها كله كان مجرد شاحنةٍ فيما مضى ، يطاردها الرجل
، يحاول اغتصابها ، قبل أن يقف على حقيقتها ، شعور الغرابة المتفجر في هذا المشهد
، الجلد البشري الذي انسلخ في أكثر لحظاتها بشرية ، و الفعل (الغريب) الذي أقدم عليه بشريٌ هذه المرة ، تقلب
الآية و يتحول الصياد إلى طريدة ، قبل أن يحرقها الرجل مثل أي رد فعلٍ متوقع تجاه
كل ما هو (غريب) في نهايةٍ ميثولوجيةٍ لا تنسى .
2
مشهد Experience من فيلم Mommy
من المعروف عن دولان عشقه الطفولي للفيديوهات الموسيقية ، و يبدو في هذا المشهد و كأنما يترجم
ذلك العشق في اللحظة التي تحتاجها حكايته تماماً ، مع سيارةٍ جديدةٍ بدلاً من
سيارتها التي تحطمت مطلع الفيلم ، تقرر ديان دوبريه أخذ ابنها ستيف و جارتها كايلا في رحلةٍ شاطئيةٍ ، نكتشف لاحقاً أن نيتها
بعيدةٌ عن ذلك تماماً ، بمجرد خروجهم يوسّع دولان إطار الصورة على السيارة المنطلقة و على
خيال ديان المنطلق الذي يأخذها في تلك الرحلة الافتراضية عندما يستعرض من خلال 4
دقائق ساحرة على موسيقى الإيطالي لودفيجو إيناودي التجربة التي حرمت منها ديان بكل العاطفة التي تحملها لأبنها المصاب بالـ
ADHD ، أن تراه يكبر ، يتخرج من مدرسته الثانوية ، يحصل على منحةٍ دراسية ،
ينتقل إلى جامعته ، يقع في الحب ، يتزوج ، أن ترى كل شيءٍ يسير عكس كل ما راهن
عليه الآخرون و ما حاربته فيهم طوال حياتها ، أربع دقائق من المذاق البصري المختلف
، الألوان المشبعة ، الـ Blur ، السلوموشن ، و موسيقى تخلف
صدىً في الأذن يجعلك لا تمل سماعها ، الحلم كأجمل ما يمكن أن يكون سينمائياً ،
بنهاية هذه المقطوعة يضيق إطار الصورة مجدداً على ديان ، و تعود إلى واقعها ،
دقائق فقط و تقود ستيف إلى حيث لم تكن ترغب في حياتها .
1
مشهد The Black Widow من فيلم Gone Girl
كما لو أن هيتشكوك و كرونينبيرغ كانا يجلسان في موقع التصوير ، مثل حمام Psycho بنكهةٍ دمويةٍ عنيفةٍ يعشقها فينشر ، الرجل يحب منح مشاهد التعذيب و القتل ما
تستحقه بصرياً ، شاهدنا ذلك في Se7en و Zodiac
و The
Girl with the Dragon Tattoo ، بعد كل ما جرى في حكاية نِك دن و زوجته أيمي يكسب نِك بعض النقاط من خلال المقابلة التلفيزيونية
التي أجراها ، لكن تلك النقاط سرعان ما تتلاشى مع المكالمة الهاتفية التي تلقتها
الشرطة حول المستودع التابع لمنزل العائلة و الأدلة الجديدة التي يجدونها هناك بعد
القبض على شقيقته مارغو ، أدلة تقود الشرطة أخيراً لتوجيه اتهامها رسمياً لنِك بقتل زوجته أيمي ، بعد اطلاق سراحه بكفالة و أثناء عودته إلى
منزله نسمع نِك و كأنما يخاطب زوجته الهاربة : "عودي إلى المنزل أيمي .. إنني أتحداكِ" ، يبدو ذلك التحدي و كأنما هو صادرٌ من المشاهد ذاته ، من الرغبة في
معرفة كيف لمريضةٍ نفسيةٍ رتبت لكل ذلك أن تعود إلى حضن زوجٍ كادت ترسله إلى مصيرٍ
بائس ، فينشر يقبل ذلك التحدي و يخبرنا مجدداً أن التويست الختامي ليس قيمةً مفردةً في
الحكاية و أنه بإمكانه أن يتعامل مع نصٍ يضع ذلك التويست في منتصف الحكاية ثم يكمل
الحكاية بذات المستوى من الإثارة و التشويق ، تُوهم أيمي كاميرات المراقبة في منزل عشيقها السابق
بأنها امرأةٌ محتجزةٌ تعرضت للضرب و الاغتصاب ، قبل أن تغازل أنثى العنكبوت ذكرها
و تقتله في مشهدٍ للذكرى .
0 تعليقات:
إرسال تعليق