كتب : عماد العذري
برلين ، (دورة أستراليا
المفتوحة في السينما) ! التظاهرة التي تنعش افتتاحية العام وتمنح عشاق
السينما حول العالم بعض ما يروي ظمأ إنتظار أفلامٍ اعتادت أن تجد في النصف الثاني
من العام فرصتها التسويقية. برلين ، كبرى مدن ألمانيا ، الإمبراطورية ، والفن ، والنهر ،
والجدار. أطلقت للعالم تظاهرتها السينمائية التي عرفت بالـ (برليناله) عام 1951. كان
لأكثر من عقدين يُعقد في منتصف العام بعد تظاهرة كان ، قبل أن يصبح
جزءاً من تراث فبراير منذ أكثر من ثلاثة عقود. الآلاف من مريدي هذا
الفن يتدفقون على المدينة المغمورة بالشتاء. معارضها على هامش التظاهرة توصف
بأنها الأكبر في العالم ، وحضور المهرجان يسجل الرقم الذي يصعب على مهرجانٍ آخر
الوصول إليه .
جائزة المهرجان
الذهبية لم تتعرض لأي تغييرٍ منذ عامه الأول ، على خلاف ما جرى في فينيسيا و كان. مدينة الدب الذي
تتخذه شعاراً لها وتضعه على علمها اختارته أيضاً جائزةً لمهرجانها. كسته بالذهب ومنحته في دورتها الأولى لخمسة أفلامٍ في خمس فئاتٍ مختلفة. في الدورات الأربع
التالية اكتفت بفائزٍ وحيد يكرم بالجائزة بتصويتٍ جماهيري ، قبل أن يتخذ المهرجان
صورته النهائية في دورته السادسة : جائزةٌ ذهبيةٌ وحيدةٌ تمنحها لجنة تحكيمٍ
منتقاة ، وجوائز فضيةٌ للإخراج والتمثيل. بعد ذلك بعقد بدأت التظاهرة بمنح جائزة
لجنة التحكيم الكبرى لتصبح ثاني جوائز المهرجان أهمية .
على مدار 63 عاماً
كرم المهرجان نخبةً من كواكب الفن السابع بجائزته الذهبية : ديفيد لين و جون شلاسنغر ،
هنري جورج كلوزو و كلود شابرول و جان لوك غودار و بيرتران تافيرنييه ، إنغمار بيرغمان و راينر فيرنر فاسبندر و لاريسا شيبتكو و كارلوس ساورا و كوستا غافراس ، مايكل أنجلو أنطونيوني و فيتوريو دى سيكا و بيير باولو بازوليني
، رومان بولانسكي و سيدني لوميت و روبرت ألتمان و جون كاسافيتز و تيرنس ماليك و بول توماس اندرسن ، ميلوش فورمان و يري مينزل ، ساتياجيت راي و جانغ يمو و آنغ لي و هاياو ميازاكي ، والرحلة لن تتوقف .
على مدار أسبوعٍ صعبٍ
للغاية أعدت نخبة الأفلام التي كرمت بدب برلين الذهبي بتعاقب السنوات. بعض الأفلام المكرمة تعذر
الحصول على نسخٍ جيدةٍ منها ، وبعضها لم يعلق بالذاكرة في المشاهدة الأولى.
شاهدت 24 فيلماً على مدار الأيام الثمانية الماضية كي أخرج بقائمتي هذه. التجربة
تبقى أهم من القائمة. المتعة التي تتولد من مشاهدةٍ مستمرة لنخبة ما قدمته تظاهرةٌ
عظيمةٌ للسينما خارج الإطار التكريمي أو الإحتفائي. قائمتي – كالعادة – خاضعةٌ للهوى. لا إعتبارات نقدية أو تقييمية ، فقط أقرب أفلام الدب الذهبي إلى قلبي
.
خمسة أفلامٍ أخرى
Hobson's Choice (1954)
Cul-de-Sac (1966)
Veronika Voss (1982)
Red Sorghum (1988)
Bloody Sunday (2002)
أفضل 10 أفلام فازت بدب برلين الذهبي
10
Alphaville (1965)
إخراج : جان لوك غودار
حقق غودار هذا الفيلم في العام ذاته مع Pierrot le fou . هذا الفيلم أحد أسباب محبة الناس لغودار. هناك أسبابٌ عديدةٌ بالطبع ، لكن تمحور تلك الأسباب غالباً حول مقدار
التجديد والثورية الذي أحدثه الرجل على آلية السرد كمنفذٍ لتشكيل صورةٍ مختلفةٍ
للصنف السينمائي التقليدي يجعل من Alphaville
واحداً من أهم انجازاته دون شك. حقق غودار هذا الفيلم منتصف الستينيات ، فيلم
خيالٍ علمي لا يشبه أي شيءٍ آخر. غودار أنشأ عالماً مستقبلياً فريداً دون مؤثرات بصرية ،
دون تصميماتٍ مستقبلية للإخراج الفني ، لعب بقوة على مقدار الأثر الذي يمكن أن
تلعبه التفاصيل في إعطاء فيلم الخيال العلمي قيمته. كل شيءٍ في هذا الفيلم كان
موجوداً في باريس الستينيات ، منحه غودار معنىً مستقبلياً فأصبح فيلماً مستقبلياً
! الأضواء ، السيارات ، الأبنية ، الآلات ، مسحة الغموض في الحكاية ، الصوت الذي
لا ينسى لـ Alpha 60 ، وحتى الموسيقى ! يقول غودار في حواره الشهير مع الكراسات في Godard on Godard (موسيقى الفيلم تصنع شعوراً
من التضاد مع الصورة ، هي مزج من الموسيقى الرومانسية التقليدية الذي ينكر عالم Alpha 60 ، هي هنا عنصرٌ من عناصر السرد ، تثير الإحساس
بالحياة ، بالعالم الخارجي ، استخدمت موسيقى العالم الخارجي بدلاً من تصويره). هذا الإهتمام
بالتفاصيل ، هذه القدرة على منح الأشياء قيمتها من خلال التكثيف على معانيها المفترضة وليس من
خلال ذواتها ، هو برأيي ما جعل غودار لا يشبه أي مخرجٍ آخر .
9
Love Streams (1984)
إخراج : جون كاسافيتز
لأسبابٍ عديدة يحتل
هذا الفيلم مكانةً مهمةً جداً في مسيرة كاسافيتز ، ربما لأن الرجل كان يعتزم من خلاله تحقيق فيلمه
الوداعي بعدما أخبره أطباؤه بأن ما تبقى من حياته لن يتجاوز بضعة أشهر. كبده المريض
يفتك به. كان فيلمه الحادي عشر ولقاءه العاشر برفيقة دربه جينا رولاندز
التي تلعب أمامه هنا دوراً مختلفاً عن العادة. قبل بدء التصوير طلب كاسافيتز من
الصحفي مايكل فنتورا كتابة دراسةٍ سينمائية عن يوميات تصويره لهذا
الفيلم. بدى الطلب غريباً. فينتورا رأى في إبلاغ الأطباء لكاسافيتز بدنو الأجل
تفسيراً لهذا التصرف. لم يكن يعرف تماماً ما الذي عليه القيام به. طلب منه كاسافيتز
كتاباً (قوياً) و (جريئاً) ، و لم يجد فينتورا ما هو أفضل لتحقيق ذلك من تدوين ما يجري لقطةً بلقطة !
كان ذلك بحد ذاته كفيلاً بصناعة كتابٍ (قوي) و (جريء) عن مخرجٍ لطالما اعتبر نفسه من رجال المافيا ! شاهَدَ انهاك الرجل وهو يحاول تصوير فيلمه دون توقف ، ليلاً ونهاراً ، كي تتاح له فرصة
افتتاحه ومشاهدته. الكتاب – كما الفيلم – تحول إلى توثيقٍ سينمائيٍ مهم لـ (الشغف). شغف
كاسافيتز قل أن استحوذ على سينمائي. من الجميل أنه عاش
ليشاهده ، وطار إلى برلين ليحمل دبها الذهبي. عاش خمس سنواتٍ أخرى ، وأخرج فيلماً
أخيراً ، مرّ كأن لم يكن .
8
The Thin Red Line (1999)
إخراج : تيرنس ماليك
بعد عشرين عاماً من Days of Heaven وقف ماليك وراء الكاميرا مجدداً. كان الرجل
يعد لهذا الفيلم لفترةٍ طويلةٍ من الزمن. بدأ بكتابة النص قبل عشرة أعوامٍ من
اطلاق الفيلم ، وتلك الفترة كان من الممكن أن تطول أكثر لولا تدخل فوكس لدعم مشروع سوني المتعثر. كاستنغ العمل كان شيئاً تاريخياً. تجري العادة أن يتصل المخرج
بالنجوم ليعرض عليهم نصه. ما أن تسربت الأنباء عن عودة ماليك بعد عشرين عاماً حتى توالت الإتصالات من مجموعةٍ من أهم الأسماء في
هوليوود رغبةً في الحصول على دورٍ في الفيلم ! وحدهم روبرت دي نيرو و روبرت دوفال و توم كروز من عرض عليهم ماليك الإنضمام اليه بينما طابور طويلٌ جداً من الأسماء هي من عرضت الإنضمام. ذهب ماليك إلى استراليا وصور فيلمه في مائة يوم منع خلالها منتجي العمل الحنقين من
زيارة موقع التصوير. بالرغم من انطوائيته وغموضه وابتعاده عن الأضواء يبدو
الرجل ديكتاتوراً في موقع التصوير ، وديكتاتوراً في غرفة المونتاج أيضاً. مع ذلك
كانت النتيجة عظيمة. أبلى حسناً في شباك التذاكر ورشح لسبع جوائز أوسكار ثم فاز
بدب برلين الذهبي. ماليك لا يتحدث كثيراً عن أعماله ، يتركها لتتحدث عنه ، و في ذلك البرلين تحدث فيلمه كثيراً .
7
The Ascent (1977)
إخراج : لاريسا شيبتكو
في بداياتها كانت لاريسا شيبتكو واحدةً من أبرز طلاب VGIK
، المعهد الذي أنجب قبلها ببضع سنوات أندريه تاركوفسكي الذي أصبحت الى جواره لاحقاً أبرز قامات الموجة السوفييتية الشابة في
حينه. أثناء تصويرها مشروع تخرجها ، Heat ، و
الذي أصبح لاحقاً فيلمها السينمائي الأول ، اصيبت تلميذة دوفجينكو بوعكةٍ صحيةٍ اتضح فيما بعد أنها أخطر مما تبدو عليه.
كان على شيبتكو أن تكمل فيلمها فقررت اختيار أحد زملائها في VGIK
ليقوم بالمهمة ، ذلك الزميل كان إلم كليموف الذي أصبح زوجها لاحقاً. بعد ذلك بـ 14 عاماً منحها فيلمها الرابع
التكريم الأكبر في برلين. أفلامها لم تكن على وفاق مع الشيوعية. احتاجت لسنواتٍ
طوال ليصبح اسمها مألوفاً لدى عشاق السينما. احتاجت ربما أيضاً لهذا الدب الذهبي. في العام التالي ذهبت إلى برلين مجدداً ، هذه المرة كانت في لجنة التحكيم إلى جوار سيرجيو ليوني و ثيو أنجلوبولوس. بعد ذلك بعام ، و أثناء عملها على فيلمها الخامس Farewell ، قضت شيبتكو مع خمسةٍ من أفراد طاقمها في حادث سيارةٍ رجح كثيرون
فكرة أن يكون مدبراً ، هي نفسها كانت تتوقع ذلك. يقول تاركوفسكي "دُفنت لاريسا شيبتكو ،
وكذلك خمسةٌ من طاقمها ، حادث سيارة ، الجميع قتل على الفور ، كان مفاجئاً أنهم
حتى لم يجدوا أدريناليناً في دمهم". كما حدث في بدايات البداية ، زوجها إلم كليموف أكمل مشروعها الخامس .
6
A Separation (2011)
إخراج : أصغر فرهادي
إلى برلين التي
منحته دبها الفضي قبل عامين عن About Elly عاد أصغر فرهادي ليفتتح فيلمه الجديد (طلاق نادر و سيمين). أحدث ما يشبه العاصفة الإحتفائية هناك ، بنهاية التظاهرة أصبح أول
فيلمٍ في تاريخ المهرجان يفوز بثلاثة دببة مع تكريم بطليه بيمان معادي و ليلى حاتمي بجائزتي أفضل ممثل و ممثلة. ابن التاسعة و الثلاثين يقول في معرض حديثه
عن فيلمه (أعتقد أن عالم اليوم
بحاجةٍ – أكثر من أي شيءٍ آخر – للمزيد من الأسئلة عوضاً عن تقديم إجابات ، أنا لا
أخفي الإجابات عن مشاهدي ، أنا لا أعرفها أصلاً ، عندما تمنح مشاهدك جواباً ،
ينتهي الفيلم في صالة السينما ، لكن عندما تطرح عليه أسئلةً ، فإن فيلمك يبدأ بعد
أن يشاهده الناس ، يستمر داخل المشاهد). في خطاب تسلمه الدب الذهبي من إيزابيلا روسيلليني قال فرهادي (أحب أن أذكركم بجعفر
بناهي ، أعتقد فعلاً بأن أزمته ستحل ، وأتمنى أن يكون الشخص الذي يقف هنا العام
المقبل). الدب الذهبي الوحيد الذي حققته السينما الإيرانية ظفر به مخرجٌ من الجيل الثاني في
الموجة الإيرانية الجديدة. فرهادي بعد أشهر كسر علاقة الود شبه المعدومة بين دب برلين الذهبي و أوسكار أفضل فيلم أجنبي ، جمعهما معاً للمرة الأولى منذ أن فعلها دى سيكا قبل أربعين عاماً .
5
Magnolia (2000)
إخراج : بول توماس أندرسن
يقول أندرسن أن
نجاح Boogie Nights منحه ما يشبه الضوء الأخضر لدى منتجيه في New Line Cinema وأنه وجد في ذلك فرصةً ربما
لا تتكرر مرةً أخرى. الخطوط العريضة لهذا النص – الذي اعتبره جورج سي سكوت أسوأ ما عرض عليه في حياته – بدأت أثناء عمل أندرسن على فيلمه السابق ، والصفحات الأولى كتبت أثناء تحريره. صوّره أندرسن في شهرٍ واحد وأكد من خلاله تاثره الواضح بروبرت آلتمان ومارتن سكورسيزي الذي ظهر جلياً منذ فيلمه السابق. كانت نقطة
التحول الأهم في مسيرة واحدٍ من أعظم صناع السينما في زماننا ، إما أن يؤكد أن ما
فعله في Boogie Nights – الذي أصبح كلاسيكيةً بعد ذلك – لم يكن مجرد
مصادفة ، أو أن يفقد ثقة منتجيه به. توم كروز إنضم إلى هذا الفيلم أثناء تصويره آخر أعمال ستانلي كوبريك Eyes Wide Shut
. كوبريك بالمصادفة ارتبط اسمه – في فترةٍ لاحقة - ببول توماس آندرسن الذي زاره يومها في موقع التصوير ، وشخصية فرانك ماكي التي أداها توم كروز في الفيلم تطل على جمهورها في برنامجها التلفيزيوني على موسيقى (هكذا تكلم زرادشت) لشتراوس التي ارتبط اسمها بكوبريك ، هل في ذلك مصادفة ؟! ذات السؤال الذي تطرحه المتوالية الوثائقية
الشهيرة التي تفتتح كلاسيكية بول توماس أندرسن هذه !! الثابت - بعيداً
عن كل ذلك - أن فوز برلين هذا كان بالغ الأثر في ترسيخ صورة بول توماس أندرسن كواحدٍ من أهم – إن لم يكن أهم - صناع السينما الشباب في الولايات المتحدة
.
4
Spirited Away (2002)
إخراج : هاياو ميازاكي
المناسبة الوحيدة
التي فاز فيها فيلمٌ رسوميٌ بالدب الذهبي حدثت عندما كانت الجائزة توزع في خمسة
فروعٍ مختلفة ، فاز يومها فيلم ديزني Cinderella
بالدب الذهبي لأفضل فيلمٍ موسيقي. بعد توقف العمل بهذا النظام بقي ميازاكي الوحيد الذي خطف كبرى جوائز برلين بفيلمٍ رسومي. ميازاكي يصر على كونه يعاني بسبب ولع الأطفال بأعماله ، يقول في هذا الخصوص (يقضي الأطفال ساعاتٍ أمام
شاشات التلفيزيون لمشاهدة أعمالي ، وهذه معضلةٌ بالنسبة لي). ربما لهذا يروق له الإبتعاد عن الإخراج من حينٍ لآخر. قبل هذا
الفيلم كان ميازاكي قد حقق أطول فترة اعتزالٍ (حقيقية) عندما ابتعد عن العمل بعد إخراج Princess Mononoke ، لكن أسبوعاً قضاه رفقة بنات أحد أصدقائه
كان حافزه على العودة بعد أربع سنوات. إحدى الفتيات تحديداً هي من ألهمته شخصية شيهيرو التي سرعان ما انضمت إلى مونونوكي و نوسيكا و بقية بطلات ميازاكي. خلاصة فن ميازاكي كانت هناك : الطبيعة والموروث والطفولة والسحر ، والنتيجة كانت شيئاً
عظيماً ! حقق الفيلم نجاحاً مدوياً قبل وصوله إلى الولايات المتحدة حيث فاز
بالأوسكار لاحقاً . قبل ذلك تقاسم ميازاكي دب برلين الذهبي مع بول غرينغراس مخرج Bloody Sunday . كانت المناسبة الثانية
لفيلمٍ ياباني . التكريم أدهش ميازاكي ، قال في معرض حديثه عنه (اعتقدت أن الفيلم يابانيٌ
أكثر من اللازم ليكون موضع تكريم ، وأنا سعيدٌ أنه كان موضع تقدير الأوروبيين). ليست يابانيته وحدها ما أثارت دهشة ميازاكي ، فكرة تكريم فيلمٍ رسوميٍ جعلته متفائلاً ، يقول (أعتقد أن الأفلام الرسومية
ما زالت مفصولةً عن الأفلام الأخرى ، وهذا ما لا أحبه ، لذلك أنا سعيد أنهم
تعاملوا مع عملي كفيلم). بعده حقق ميازاكي ثلاثة أفلامٍ أخرى قبل أن يعلن أنه توقف للأبد .
3
The Wages of Fear (1953)
إخراج : هنري جورج كلوزو
شخصياً أعشق الفترة
الزمنية التي فصلت بين خفوت الواقعية الشعرية في فرنسا بنهاية الحرب العالمية الثانية وظهور الموجة الفرنسية الجديدة أواخر الخمسينيات ، أعشق أفلام ذلك
العقد أكثر من التيارين السينمائيين البارزين رغم عدم امتلاكه لشخصيتيهما. هنري جورج كلوزو كان واحداً من أهم رجالات تلك المرحلة. كلوزو بدأ حياته المهنية
في برلين عندما انتقل للعمل هناك في استديوهات بابليسبيرغ
كمترجمٍ لنصوص الأفلام الأجنبية ، منها انطلقت مسيرة الإثني عشر فيلماً التي
صنعت اسم الرجل. قبل هذا الفيلم صنع Le Corbeau و Manon هالةً مميزةً حول المخرج الشاب الذي بدأ الكثيرون يميلون لإعتباره
نسخةً فرنسيةً من ألفريد هيتشكوك ! مع ذلك كان هذا الفيلم هو ما حفر اسمه في
ذاكرة السينما للأبد . أعجب كلوزو لفترةٍ طويلة برواية جورج آرنو ، ومن أجل
تمويل انتاجها أسس شركته الخاصة (فيرا) تيمناً بإسم زوجته الممثلة التي كتب لها الشخصية
النسائية الوحيدة في الفيلم. النتيجة كانت مدويةً في حينه. إثارةٌ وجودية عظيمةٌ
ولا تتكرر ضمن قالبٍ من السبر الذكي والفاتن لسيكولوجية (الخوف) لدى
الإنسان. منتصف العام عاد كلوزو مجدداً إلى برلين ، هذه المرة ليكرم بدب مهرجانها الذهبي
ويصبح فيلمه هذا أول فيلمٍ على الإطلاق ينال الجائزتين الكبريين في كان و برلين قبل أن
تقضي لوائح المهرجانات بعد زمن على أي احتماليةٍ لتكرار أمور كهذه .
2
Wild Strawberries (1958)
إخراج : إنغمار بيرغمان
في سيرته الذاتية The Magic Lantern تبدو الفراولة البرية
عموماً جزءاً لا يتجزأ من طفولة بيرغمان وذاكرته مع والدته ، و في عام 1957 وجدت طريقها إلى
فيلميه The Seventh Seal و Wild Strawberries . كان بيرغمان مقيماً في مستشفى كارولينسكا لشهرين بسبب مشاكله المتكررة مع معدته ، هناك بدأ كتابة نص فيلمه هذا. كان
الجو ربيعياً ، أشعل فيه ربما ذكرى رحلته التي لا ينساها من ستوكهولم إلى دارلانا يوم توقف في أوبسالا مسقط رأسه ليلقي نظرةً على منزل جدته. أصبحت الحكاية مرسومةً بوضوح ، وأصبح مستشفى كارولينسكا مقر عمل شخصيته الجديدة إيزاك بورغ ، وأصبح بيرغمان مستعداً للخروج من المستشفى وتجاوز مشاكله العائلية المتعددة ، من أجل وضع
هذا الورق على شريطٍ سينمائي. جزءٌ مهمٌ من ذاكرة بيرغمان مع هذا الفيلم تتمحور حول اسناده دور البطولة لرائد السينما السويدية فيكتور شويستروم الذي أداره سابقاً في To Joy
. كان تعاونهما الجديد صعباً للغاية. يقول بيرغمان أن شويستروم لم يكن متحمساً ، كان متعباً ومريضاً ، فوعده بالتفهم وأن يعيده إلى
منزله كل يوم من أجل كأس الويسكي الذي يشربه في الرابعة و النصف ! بيرغمان كان يرى في شويستروم صورةً موازيةً لشخصية البروفسور أيزاك بورغ ، بدى له جو شويستروم خارج التصوير قريباً من الشخصية التي كتبها. كان بيرغمان يستغل تلك اللحظات المختلسة للإستماع أكثر إلى ذكريات شويستروم الذي غيبه الموت بعد ثلاث سنواتٍ من هذا الفيلم. طوال تلك الفترة بقي بيرغمان ملتزماً بوعده له : إلى المنزل في الرابعة والنصف من أجل كأسٍ من الويسكي. ذات مرة استمر التصوير حتى الخامسة ، ثار عليه شويستروم وحاول بيرغمان الإعتذار بكافة الوسائل ، لكن شويستروم انصرف غاضباً ، بعد ربع ساعةٍ عاد و سأل عن المشاهد المتبقية .
1
12 Angry Men (1957)
إخراج : سيدني لوميت
من خلال الأفلام
الثلاثة في قمة قائمتي هذه ، تبدو الخمسينيات برأيي عصراً ذهبياً للمهرجان الوليد. حجم المجهود الذي بذله سيدني لوميت في باكورة أعماله ومقدار الدقة في التعامل مع
التفاصيل الإنتاجية للنص والزمن وتكاليف الإنتاج من أجل تحقيق رؤيته الإخراجية
الفريدة صنع لهذا الفيلم قيمةً لا تنفصل عن إرثه و حوّلته مع الوقت لما يشبه المثل
المتداول عن مخرجين لامسوا العظمة السينمائية في ظهورهم الأول. بعيداً عن عظمة
الفيلم هذا أيضاً واحدٌ من أهم الأفلام في تاريخ السينما وأكثرها تأثيراً. منح
أفلام (المكان الواحد) و أفلام (المحاكم) و أفلام (الحقيقة في مواجهة
وجهات النظر) بريقاً ارتبط به وجعله مادةً خصبةً للإعادة السينمائية والتلفيزيونية. بعيداً عن كل تلك الثيمات يرى سيدني لوميت فيه فيلماً عن (الإقناع) و عن (الإيمان بالحس
الشخصي). تجذبه فكرة التحول في قناعات المحلفين الأحد عشر
بفضل محلفٍ واحدٍ ناقضهم في الرأي بناءً على حسه الشخصي. كان شيئاً عظيماً أن يجد
لوميت نفسه في برلين في دورته السابعة ، في نفس المسابقة كان جوليان دوفيفييه
و جاك بيكير و روجيه فاديم و آخرون ، إبن الثالثة والثلاثين روّض الدب
السابع .
0 تعليقات:
إرسال تعليق