بطولة : غريغ كنير ، توني كوليت ، ستيف
كاريل
إخراج : فاليري فارس ، جوناثان دايتن
واحدة من أجمل متع السينما
أنها تجود علينا من حينٍ لآخر بأفلامٍ من نوعية السهل الممتنع ، الحكاية المرحة البسيطة
التي تسند معها رأسك إلى الخلف و تقضي معها ساعتين من المتعة اللذيذة التي لا تستخف
بك ، تثير اعجاب النقاد ، و تتنقل من محفلٍ جوائزيٍ إلى آخر ، و تحوز رضا الشريحة الأكبر
من المشاهدين ، من مُنظّر السينما إلى مُشاهد البوب كورن العادي ، هذا الفيلم واحدٌ
منها .
باكورة أعمال المخرجين
الزوجين فاليري فارس و جوناثان دايتن قصة كوميدية بسيطة عن الرابحين و الخاسرين , رحلة
عبر الولايات المتحدة لعائلة أمريكية تقليدية من أجل إيصال إبنتهم الصغيرة أوليف للمشاركة
في حفل ملكة جمال الصغار التي تقام سنوياً في الساحل الغربي , أبٌ محاضرٌ في فن النجاح
رغم كونه يقف على حدوده و لا يصيبه بسبب وعود كاذبة من محرر كتابه المقبل , زوجة متذمرة
من فشل زوجها في تطوير مسيرته المهنية , خالٌ شاذ خرج من تجربة إنتحار فاشلة بعدما
كاد أن يصبح أحد نوابغ الولايات المتحدة لولا ذهاب منحته الحكومية إلى خصمه اللدود
, إبنٌ مراهق متأثرٌ بنيتشه أقسم على الصمت حتى يصبح مقاتلاً في سلاح الجو الأمريكي
، جدٌ هيرويني قاتل في الحرب العالمية الثانية ، و إبنةٌ صغيرةٌ سمينةٌ تشغل النظارات
نصف مساحة وجهها !
في العمق يقفز العمل بمرونة
على البعد التوجيهي لحكايته عن (الرابح و الخاسر) و (شرف المحاولة) و (المكسب الكامن في أن نقوم بالأمور على الطريقة التي نحب) ، سيناريو
مايكل آرنت الرائع - الذي قال في خطاب فوزه بالأوسكار أنه استلهم
الحكاية من رحلة قام بها مع عائلته - يدمج هنا شخصيات الفيلم الست وفق عملية (فوكسة) تجعل الوصول
إلى الحفل محوراً رئيسياً للفيلم ، و تمنح كل الأحداث التي تدور حول ذلك المحور الدفع
المطلوب لإغناء العمل ، أحداث في هذا السيناريو من قبيل شذوذ الخال ، إدمان الجد ،
عمى الألوان لدى الإبن ، فشل مساعي الأب بشأن كتابه هي أحداثٌ لا تشكل محورية الفيلم
لكنها تدور في فضائه ، ببساطة (هذه عائلة أمريكية كانت تعيش قبل تصويرنا للفيلم ، وستظل تعيش بعد تصويرنا
للفيلم ، هم الآن على وشك السفر لإيصال إبنتهم إلى حفل ملكة الجمال ، مارأيكم لو نأخذ
الكاميرا و نتتبع رحلتهم تلك ؟!!) ، السيناريو يسير وفقاً لذلك بتجردٍ تام و
لا يهز محور الحدث إطلاقاً بل يغنيه بالتفاصيل ، ستشاهد عمى الألوان وتعتبره فائضاً
لكنه مهم بالنسبة لهم فنحن لم نعايش صمت الفتى سوى لفترة بسيطة ، سنشاهد شذوذ الخال
و نعتبره فائضاً لكننا لم نعش معهم اللحظات التي حاول الإنتحار فيها ، حتى أنهم في
الختام لا يحققون مبتغاهم كما يحدث في أي سيناريو تقليدي ، نحن فقط ضيوفهم في هذه الأيام
الثلاثة ، نتأمل ما يحدث في ثلاثة أيام من حياتهم يحاولون فيها القيام بشيء ما تجاه
إبنتهم ، أشياء تحدث في الحياة اليومية و لا يوجد مانع من ألا تحدث معهم فلم لا تحدث
؟!! ، مايكل آرنت ذكرني في هذا
السيناريو بروح الكوينز الكتابية دون مراوغةٍ حسٍ من الخفة الطفيفة تعيقه – بالرغم
من جماله و متعته - عن أن يكون عظيماً و كلاسيكياً .
بالمقابل يرتكز عمل الزوجين
فارس و دايتن الإخراجي في ثقله أولاً على الإيقاع المضبوط جداً للحكاية
و الذي يحافظ بتوازنٍ يستحق التقدير على مضمون الحكاية الدرامي – عن رحلة العائلة
– محورياً في الوقت الذي يستغل فيه هوامش الشخصيات لمنح ذلك المحور مذاقاً كوميدياً
لذيذاً يجعلنا نستمتع فعلاً و نحن نراقبهم على طول الخط ، و يرتكز في ثقله ثانياً على توليفة أداءاتٍ رائعةٍ
للغاية تغني العمل ككل و تقفز به على الصورة النمطية للأفلام الكوميدية القائمة على
(قيمة الضحكة) أكثر من اعتمادها على (نوعية الأداء الذي يرسم تلك الضحكة)
، شخصية الجد على سبيل المثال شخصيةٌ حقيقيةٌ جداً موجودة بكثرة من حولنا و نقابلها
بشكل متكرر (العجوز البذيء الذي ما زال يمتلك بقايا الصبا ، و يريد أن يعيش حياته كما
يحلو له) لكن ألان آركن – الذي ينال هنا جائزة أوسكار – يجعل من الكاراكتر وثيق
الصلة به و سهل التذكر و كأنما صنع لأجله ، في الوقت ذاته – و لا أقل منه - يأتي أداءٌ
ممتاز من غريغ كنير و توني كوليت و ستيف كاريل ، متمكنٌ تماماً من بول دانو ، و إستثنائيٌ
و حقيقيٌ للغاية من أبيغيل بريسلين ، الإثارة التي تكسو ملامح وجهها وهي ترد على مجاملة
جدها You’re just saying that ! هي أفضل رد فعل تمثيلي من طفل أشاهده في حياتي .
التقييم من 10 : 8.5
0 تعليقات:
إرسال تعليق