بطولة : مارلين ديتريتش ، غاري كوبر ، أدولف مينجاو
إخراج : جوزيف فون سترنبيرغ
بعض الكلاسيكيات من الصعب التعامل معها بمنأى عن الإبعاد الزمانية و المكانية لإطلاقها ، تكتسب قيمتها – أو جزءاً منها – من خلال الأثر الذي أحدثته أو الإضافة التي منحتها للسينما في بيئةٍ زمانيةٍ و مكانيةٍ محددة ، جوزيف فون سترنبيرغ في عمله الهوليوودي الأول حقق فيلماً من هذا الطراز .
الحكاية عن مجندٍ يدعى توم براون ينضم إلى الفيلق الأجنبي في شمال أفريقيا ، يحاول التأقلم مع حياته من خلال كم العلاقات التي يقيمها مع الجنس اللطيف ، شيءٌ ما يتغير بظهور أيمي جولي ، مغنية الكاباريه الفرنسية التي غادرت بلادها بحثاً عن بدايةٍ جديدةٍ في أرضٍ بعيدة ، سرعان ما تتورط جولي في حب براون ، لكن ماضيها المتقلب يبقي إنذار المخاطرة يقظاً لديها ، خصوصاً مع وجود لا بوسييه ، الثري الفرنسي الذي يخطب ودها .
قيمة هذا العمل برأيي أنه منح السينما الهوليوودية دفعاً مهماً نحو تقديم شيءٍ مختلفٍ و غير اعتياديٍ سبقتها إليه نظيرتها الأوروبية ، الألماني في عمله الهوليوودي الأول يقدم ربما الكلاسيكية الهوليوودية المهمة الأولى التي تتحرر بشكلٍ ملحوظ من أثر الحبكة و جاذبيتها على الجمهور منحرفةً نحو التأسيس لشخصياتٍ ثلاثية الابعاد بصورةٍ حقيقية ، شخصيات الفيلم ليست مجرد شخصين واقعين في الحب كما اعتادت رومانسيات السينما الصامتة أن تحكي ، شخصيات الفيلم لها ماضي ، صحيح أن ستيرنبيرغ لا يذهب في مغامرته هذه بعيداً و لا يغوص في الماضي بشكلٍ مباشر و هو أمرٌ يحسب عليه ، لكنه إلى حدٍ ما استفاد من ذلك الغموض آنياً ، توم براون إنضم إلى الفيلق الأجنبي كي (ينسى) ، شيءٌ ما في ماضيه دفعه لفعل ذلك ، و بالمقابل تغادر إيمي جولي بلدها بإتجاه المغرب هرباً من الماضي و بحثاً عن بدايةٍ جديدة ٍ ، كلا الشخصيتين لا تستطيعان الآن تحديد ما إذا كانت هذه العلاقة الوليدة مختلفةً عن العلاقات التي هربت منها ، توم براون لا يعلم تماماً ما إذا كانت إيمي جولي تختلف عن عشيقاته الكثر خصوصاً مع ظهور لا بوسييه في الصورة ، و في الوقت ذاته تحمل إيمي جولي عاطفةً لتوم براون ، تشعر بأنه مختلف بالرغم من أن طبيعة عملها و تعدد علاقاتها و معجبيها يعيقانها عن الذهاب في العلاقة أبعد من ذلك ، فون ستيرنبيرغ يبقي العلاقة عند حدٍ يحترم مقدار المخاطرة التي تكتنف علاقة مغنية كاباريه فرنسية هاجرت من بلدها لتفتح صفحةً جديدة بمجندٍ أمريكي في فيلقٍ أجنبيٍ في شمال أفريقيا ، و في الواقع لم يكن هذا اعتيادياً في هوليوود ، اعتادت السينما الهوليوودية على تقديم الأفلام ذات (الحبكة) مع محاولاتٍ خجولةٍ للتعامل مع (الشخصية) ، ربما لأن الحبكة تبقى الأكثر أهمية و جاذبية للجمهور ، الشخصيات هنا هي سيدة كل شيء ، و هي من تحرك الحبكة علواً و هبوطاً .
و بعيداً عن تطويعه ماضي الشخصيات و تعقيدها ليكون مقبولاً بهذا القدر لدى جمهور لا يشاهد حبكةً حقيقيةً على الشاشة ، يغازل الفيلم في الجمهور الولع بالبيئات و اللغات و العوالم الغريبة و هو ولعٌ أصبح قالباً سينمائياً بعد ذلك ، و بالرغم من أن ولع جوزيف فون سترنبيرغ بأن يكون مختلفاً في تجربته الهوليوودية الأولى (رفقة شريكته مارلين ديتريتش التي تقدم أداءً بارعاً) ، إلا أن هذا لم يمنع الفيلم من أن يبقى بمرور السنين وثيق الصلة بظروفه و زمنه على خلاف عددٍ من الكلاسيكيات العظيمة التي جاءتنا من تلك الحقبة .
التقييم من 10 : 8
0 تعليقات:
إرسال تعليق