كتب : عماد العذري
بطولة : كلينت ايستوود ، جين هاكمان
، مورغان فريمان
إخراج : كلينت ايستوود
بالنسبة لي ارى كلينت ايستوود
أفضل الممثلين الذين تحولوا للإخراج السينمائي ، لا أقصد بهؤلاء اولئك الذين بدأوا
بالعملين معاً أو بفارقٍ قصيرٍ بينهما و وجدوا الشهرة فيهما في الوقت ذاته مثل أورسون ويلز و
شارلي شابلن و بستر كيتن ، بل اعني أولئك الذين استهواهم الوقوف وراء الكاميرا بعد
فترةٍ من العمل أمامها حققوا أثناءها نجاحاً ملحوظاً و صنعوا لأنفسهم اسماً مهماً
كممثلين ، أذكر منهم وارن بيتي و روبرت ريدفورد و جورج كلوني و بن أفليك ، كلينت ايستوود هو أفضلهم جميعاً .
مرّت مسيرة إيستوود في
الواقع بثلاث مراحل رئيسية ، الأولى كانت مع سيرجيو ليوني عندما قاده الإيطالي الكبير لطرق باب النجومية من
خلال قيامه ببطولة ثلاثية السباغيتي ويسترن في الستينيات من القرن الماضي ، و الثانية
كانت مع دون سيغل من خلال شخصية المحقق هاري كالاهان التي
بدأت بكلاسيكية أفلام الشرطة Dirty Harry عام 1971 و إستمرت في أربعة أفلامٍ أخرى أخرج ايستوود أحدها ، و
الثالثة كانت بالتحول الإنبعاثي في مسيرة كلينت إيستوود الإخراجية التي بدأت منتصف السبعينيات و حقق
فيها على مدى عقدين كاملين نجاحاتٍ مهمةً في أفلام High Plains Drifter و The Outlaw Josey
Wales و Pale Rider و غيرها و التي كانت مع ذلك بحاجةٍ للإنتظار حتى مطلع التسعينيات
لتجعل مسيرة الرجل تبدو مختلفةً عما بدت عليه سابقاً ، ربما وجد الرجل في نفسه
القدرة على ادارة النصوص و ادرك ربما بأن بريق النجومية لن يلتصق به للأبد ، و أن
استمراره في اعمال الإثارة و الأكشن بحاجة لإعادة النظر مع اقترابه من الستين ،
هنا وجد الرجل أن الوقت قد حان لتقديم نص السيناريست ديفيد ويب بيبلز الذي
كتبه عام 1976 و اشتراه إيستوود مطلع الثمانينيات و انتظر حتى يصبح عجوزاً بما فيه
الكفاية ليناسب شخصية وليام ماني ، و عندما وجد بأنه صار مستعداً لذلك مطلع
التسعينيات اعتزم أن يحوّل أخيراً هذا النص الى عملٍ سينمائيٍ يكون الأخير في
مسيرته الإخراجية و التمثيلية ، أنجزه خلال فترةٍ قياسيةٍ بالنسبة لعمل ويسترن
يحتاج لبيئةٍ خاصةٍ للتصوير و الإنتاج ، و حقق من خلاله وداعه للفن السابع عندما
أهداه لصديقيه و معلّميه و رمزي مرحلتيه السابقتين (سيرجيو و دون) ، و
كان سعيداً بكم الاحتفاء الذي قوبل به ، و بكسر حاجز المائة مليون دولار للمرة الأولى
في مسيرته كممثل ، أعاده الفيلم لواجهة هوليوود مجدداً ، نفض الغبار عن صنف الويسترن و
أعاد تلميعه بعد عامين فقط على فوز Dances with Wolves بأوسكار أفضل فيلم ، رشّح
لتسع جوائز أوسكار ، و وقف على قمة العالم عندما أصبح ثالث فيلم ويسترن على
الإطلاق يفوز بأوسكار أفضل فيلم ، هل نهايةٌ كهذه تستحق أن تتوقف عندها مسيرة
الرجل الإخراجية ؟!! بالطبع لم يحدث هذا ، مسيرة ايستوود انبعثت من
جديد .
حكاية الفيلم تعود
لأواخر القرن التاسع عشر ، في أميركا التحولات العظيمة ، حيث ويليام ماني رجل
الغرب الذي طبقت شهرته الآفاق يوم كان لصاً و قاتلاً لا يرحم ، ترك الآن كل شيءٍ
من أجل زوجته كلوديا التي رحلت نتيجة اصابتها بالجدري و تركته مع ولديه في
مزرعة الخنازير المتهالكة التي يديرها ، ماضيه يطل عليه من جديد عندما يغريه فتىً
يدعى سكوفيلد كيد للإنضمام اليه و خطف مكافأةٍ بألف دولار لمن يأتي برجلين
قاما ذات يومٍ بتمزيق وجه امراةٍ من عاهرات بلدة بيغ ويسكي التي
يديرها بقبضةٍ من حديد الشريف ليتل بيل .
عظمة هذا النص برأيي
تكمن في ثلاثة جزئيات : الأولى هي قيمة و قوة الشخصيات التي يقدمها و علاقتها بالطقوس
التقليدية لشخصيات أفلام الويسترن ، و الثانية تتعلق بسبره الذكي لقيمة العدل و الحق في بيئة
الويسترن التي لا ترحم ، و تتجلى الثالثة في التعامل الذكي مع الخصوصية الحضارية و البيئية و
الاجتماعية لأميركا التحولات العظيمة ، في واجهة الحكاية هناك ويليام ماني ،
الرجل الذي قتل تقريباً كل شيءٍ سار يوماً على الأرض ، الرجال و الشيوخ و النساء و
الأطفال و الحيوانات ، كان قاتلاً لا يرحم ، لم تكن له مباديء و لم يتصوّر أن يكون
، عاش مرتزقاً لمن يدفع الثمن ، لكنه تنازل عن كل ذلك من أجل امرأته كلوديا التي يقول
بأنها (عالجته من الشراب و الشر) ، ويليام ماني احب امرأته بجنون ، و
أحبته امرأته بجنونٍ أيضاً ، فاق حبهما استيعاب والدة كلوديا التي اندهشت
كيف لحسناء مثل ابنتها ان تترك كل الرجال من أجل ويليام ماني ، و
عندما رحلت كلوديا في التاسعة و العشرين من عمرها لم يكن ويل هو من قتلها
بل الجدري ، تركته مع ولديه في مزرعة الخنازير المتهالكة ، حالته المادية يرثى لها
و ماضيه الذي رماه وراء ظهره يعود من جديد في صورة المكافأة التي تعرضها عاهرات
بلدة بيغ ويسكي ، يقدم له سكوفيلد كيد عرضه هذا من خلال استفزازه للقيام بالمهمة أو بما
يحاول أن يقنع نفسه بأنه استفزاز له : مقدار التشويه الذي تعرضت له تلك المرأة و مصدر رزقها
الذي قضي عليه الآن ، نعم يستفزه هذا لكن حالته المادية السيئة تستفزه أكثر ، هو فاشلٌ جداً في ادارة
مزرعته التي تبدو و كأنما تحتضر ، مغازلة سكوفيلد للجانب الإنساني في المهمة و للجانب المادي أيضاً تغري
ويليام ماني ، لم يعد لديه الكثير ليخسره ، صحيح أن تلك الأيام
قد ولت و أنه لم يعد ماهراً في التعامل مع الأسلحة أو حتى في الصعود على ظهر جواده
، لكنه مثلما وعد زوجته بالتخلي عن ماضيه ذاك وعدها أيضاً برعاية أولادهما ، و 500
دولار في هذا الوقت ستعني الكثير للعائلة و لرعاية الأولاد ، لذلك هو يلعب على ذات
الوترين ( الإنساني و المادي ) ليقنع صديقه نيد لوغان بالمهمة ،
يخبره بأنه سينال ثلث الغنيمة ، و يخبره بما فعله الرجلان بتلك المرأة و بمبالغةٍ
شديدة ليستفز مشاعره و ينال عطفه ، تبدو الصورة التي يقدمها النص هنا مختلفةً في
الكثير من ملامحها عن الصورة التقليدية لأبطال الويسترن ، ليتل بيل في
الجانب الآخر هو ميزانٌ دقيقٌ جداً بين رجل القانون و العدالة و الإنسان المتحضّر و الخصم الذي لا يرحم
، قد لا يروقنا تهاونه في تحقيق العدالة عندما يحكم للعاهرات بسبعة خيولٍ عوضاً عن
محاسبة الفاعلين ، لكننا سرعان ما نستشف فيه رغبة جلب الإستقرار و الهدوء لبلدته
الصغيرة ، يُمضي وقته في بناء منزله ، رجاله يرحبون بجميع الوافدين الى البلدة
شريطة ألا يحملوا أسلحتهم ، يبدو بالرغم من صورته كخصم رجلاً ملتزماً جداً ، و
بالنسبة لي هذا أكثر ما أقدره في هذا النص ، شخصيات الفيلم مختلفة عن كل ما شاهدنا
في أفلام الويسترن ، شريف البلدة يُقدّم لنا هنا كشخصيةٍ شريرة أو على
الأقل ليست نصيرة المشاهد ، و بالمقابل ويليام ماني الذي يُفترض أن يكون بطلنا هو رجلٌ يعاني
الكثير من التناقض الأخلاقي بين ما يقوم به الآن و ما يعتقد بأنه قد ارتآه لنفسه
طوال ما بقي من حياته ، رجلٌ يقاوم ماضيه – كحال صديقه نيد لوغان – لكنه ينزلق فيه
مجدداً دون أن يدري ، النص يقدم الصورة المعكوسة للإطار التقليدي لشخصيات افلام
الويسترن ، يقلب المعادلة التقليدية دون حتى أن يُشعرنا بذلك و دون حتى أن يجعلنا
نفكر بأن ويليام ماني هو في الأساس لصٌ و سفاحٌ و قاطع طريق
بينما ليتل بيل هو شريف البلدة و الرجل المسئول عن تطبيق العدالة و القانون فيها ، و هذا
الإنقلاب الذي يُحدثه لا يسلك المسلك الحدي اطلاقاً بل يبقى على الحد الفاصل بين
الهلامية و الحدية بخصوص شخصيتيه اللتين يمكن لو ارتددنا قليلاً الى الوراء أن
نراهما بطريقةٍ مختلفةٍ عما تبدوان عليه في سياق الحدث ، هذا عظيم الأثر و
لا يمكن القفز أو الالتفاف على قيمته في تجسيد صورةٍ مختلفةٍ للبطل في أفلام
الويسترن و صورةٍ مختلفةٍ للخصم أيضاً .
من خلال ذلك البناء
الذكي للشخصيتين يرسم النص معاني العدالة و الحق و قيمة اراقة الدماء في المجتمع القاسي للغرب الأميركي ، يجعلنا
باكراً جداً نشهد عقوبةً توقّع بحقٍ رجلين أحدهما لم يرتكب شيئاً سوى أنه كان في
المكان الخطأ مع صديقه ، و نشهد رجلاً يمزق وجه امرأة لم ترتكب ما هو أكثر من أن
ابتسمت ساخرة منه ، و نشهد حكماً غير عادلٍ من قبل شريف البلدة الذي لا يريد أن
يرى المزيد من الدماء في بلدته ، ثم نشهد مكافأةُ غير عادلة تعرضها مومسات بيغ ويسكي لمن
يأتي برأسي الرجلين ، نرى ويليام ماني يحقق لهم عدالتهم النسبية ، و نرى ليتل بيل يقف
بقسوة في وجه من يهتك حياء بلدته ، و نرى نيد لوغان يدفع الثمن ، ثم نشهد اللحظة التي يجعل فيها ويليام ماني الشريف
ليتل بيل يدفع ثمن حياة نيد لوغان ، صورة
عظيمة و غير معتادة في أفلام الويسترن لمتواليةٍ استثنائيةٍ من العنف و عواقب العنف و
مفهوم العدالة في بيئةٍ كهذه ، لا يوجد في هذه المتوالية أي تصرفٍ قاد الى ما يكافئه ، كل
التصرفات قوبلت بما هو أقسى منها أو بما هو أضعف منها ، هذا الخلل في التوازن بين
الفعل و عاقبته يخلق متواليةً لا تهدأ من العنف لا تخرج معها برؤيةٍ واضحةٍ عمّن
كان يستحق ما جرى له و من كان لا يستحق ذلك ، يقدم سحر و غموض أخلاقيات الغرب و
معاييره غير المفهومة في بيئةٍ تقف على الحد الفاصل بين الرموز القديمة للشرف و الحق
و العدالة بمفهوم بربرية الويسترن و بين المعاني الجديدة لتلك
المفاهيم في المدنية الجديدة التي تقف البلدة على أعتابها .
من خلال هذا الإنقسام
يذهب النص بعيداً في تجسيد صورةٍ غير اعتياديةٍ في افلام الويسترن لأميركا التحولات
العظيمة ، في بيغ ويسكي يجاهد الغرب بكل بربريته و وحشيته للحفاظ على هويته
في مواجهة الزحف الحضاري لأميركا الجديدة ، باكراً جداً نرى عاهرات بيغ ويسكي
يلجأون للشريف ليتل بيل (القانون) لحل المشكلة التي حدثت ، لا يروقهن ان تُعوّض
دليلة بسبعة خيولٍ بدل وجهها المشوه ، لذلك يعرضون مكافأةً
بألف دولار لمن يأتي بالرجلين ، تتجلى من خلال هذه اللوحة العبقرية صورةٌ لمرحلة البحث عن
التعويض (قانونياً) قبل اللجوء الى الطرق الخاصة في ايجاده بالقوة و هي
المرحلة الأكثر حسماً في تطور سيادة القانون عبر العصور عندما تقبّل الإنسان المتحضر تطبيق
العدالة من قبل الدولة لكنه بقي يحن لغريزته تجاه انتزاع حقه بيده ، يختزل
في ذلك كل صور التحضر التي يسير الغرب نحوها بشغف في تلك المرحلة من اواخر القرن
التاسع عشر و التي سرعان ما يتخلى عنها عندما تضطره الظروف لذلك ، هذا الإنتقال
الحضاري يعززه النص من خلال قيمة شخصية بوب الإنكليزي ، القاتل المأجور المتأنق الذي يسافر عبر البلاد
لحراسة خطوط السكة الحديدية رفقة كاتب سيرته السيد بوشامب ، بوب الانكليزي
تغريه مكافأة العاهرات فيقدم الى البلدة باحثاً عنها ، في القطار يقدم النص من
خلال بوب تعليقه على مرحلة التحول الحضاري العظيمة في البلاد من خلال صورته الأكثر نمطية
لقطارٍ يتوقف قرب بلدة ( الصورة الأزلية لصعود
الحضارة الأمريكية تلك الحقبة ) ، ينتقد بوب همجية هذه البلاد
التي قتلت اثنين من رؤسائها خلال عشرين عاماً فقط ، يتباهى بالحكم الملكي
بالمقارنة مع حكم الرؤساء لشعبٍ غوغائي ، يبدو بوب بحد ذاته تجسيداً
لحضارةٍ افلت في تلك البلاد أمام رغبة الانعتاق و الانبعاث و التقدم في ركب
الحضارة لسكان الأرض الجدد ، يبدو مثالاً للعهد القديم الذي أصبح أسطورةً تروى و تُدوّن
من خلال كاتبٍ للسيرة الذاتية ، و في الجانب الآخر صار اللص الشهير رب أسرةٍ يعمل
في مزرعة و صار الشريف منهمكاً في بناء منزله ، حياة الغرب القديمة تغيرت الآن ، لكنها
لم تتغير للأبد خصوصاً و هي تمر بمرحلة التحول العظيمة هذه ، هي فقط بحاجةٍ لتُستفز لتخرج
أسوأ و أعنف ما فيها ، و عندما يرفض بوب الانكليزي تسليم
أسلحته لرجال ليتل بيل في بيغ ويسكي يلقّن ليتل بيل العجوز الانكليزي درساً عنيفاً في المعنى الجديد
للحياة التي يرتأيها في بلدته ، و ما يفعله ليتل بيل هنا ببوب الانكليزي
يماثل ما يفعله كلينت ايستوود من خلال الفيلم كله ، هو يجرد الرجل من أساطيره
التي تناقلتها الألسن تماماً كما فعل ايستوود بصنف الويسترن كله في هذا الفيلم ، يقدم ليتل بيل الصورة التي
لم يعرفها أحدٌ من رجاله عنه ، هم يشكّون بقدرته على ادارة البلدة ، يرون فيه ضعفاً
مختفياً وراء ستار التحضر ، ذلك الستار يُهتك عندما يجرؤ بوب الانكليزي على
تغيير المنظومة التي تسير عليه الحياة الجديدة ، هو يُلقّنه درساً عنيفاً – في مشهدٍ
من كلاسيكيات هوليوود - و يسلبه لاحقاً - في حديثه مع كاتبه السيد بوشامب
- الصورة البطولية التي يمثلها للزمان الماضي الذي ولى للأبد .
و بالرغم من كل هذه
العظمة في النص لا يقف ايستوود عند ذلك في تحيته للصنف الذي أطلق نجوميته ، هو يغذي
الصورة بالكثير مما يضمن خصوصيتها و اختلافها و اتساقها مع البعد الأسطوري للغرب
المحتضِر على أبواب الحضارة القادمة ، يُصوِّر هذا الإحتضار
بصرياً و يخبرنا بوضوح أننا لن نشاهد – بصرياً – فيلم ويسترن اعتيادي ، و الشعور
بتشرب الفيلم بالكثير من طقوس أفلام النوار على حساب طقوس أفلام الويسترن
هو شعورٌ لا يُخطيء ، رجلاه في ذلك هما مدير التصوير جاك إن غرين و
مونتيره الأثير جول كوكس ، يجعلان من الصورة المقدّمة تتجاوز مفهوم التحية السينمائية لهذا الصنف الى
نوعٍ من التجديد غير المعتاد ، خصوصاً من خلال استخدام السيلويت و اللقطات الشاعرية
الواسعة ، و التصوير منخفض المستوى (تقريباً في مستوى الصدر) و الذي يخلق
شعوراً غير تقليدي بالمراقبة الحذرة و الفضول و يجعل المشاهد أقرب الى ضيفٍ لدى
شخصياته ، علاوةً طبعاً على مشاهد الذروة النوارية حيث الكثير من المطر و الظلام
غير الإعتيادية اطلاقاً في مشاهد الذروة (النهارية الصحوة) في أفلام الويسترن ،
مدعوماً بالطبع بعملٍ مونتاجيٍ ممتازٍ كالعادة من جول كوكس يولّف فيه محاور
الحكاية الثلاثة بهدوءٍ تنتابه بعض اللحظات الاندفاعية أحياناً ، المؤثرة أحياناً
أخرى ، وصولاً نحو نهايةٍ لا تنسى .
و بالطبع لا يمكن أن
نمر على كلينت ايستوود و جين هاكمان مرور الكرام ، كلينت الممثل ينبعث
في الدور الذي يجيء بعد سبعة أعوامٍ كاملة على أخر دور ويسترن قام به ، ما يفعله
هنا ذكرني بما حدث بعد 16 عاماً مع ميكي رورك في The
Wrestler عندما عاد المصارع السابق (راندي روبنسون) و الملاكم
و الممثل المنطفىء (ميكي رورك) الى المجد من جديد عن طريق الحلبة ،هنا رجل
الويسترن العظيم (كلينت إيستوود) و القاتل الذي لا يرحم (ويليام ماني)
فعلا الشيء ذاته في الواقع ، عاد كلاهما من أجل غزوة ويسترن أخيرة ،
هذا التوحد بين الشخصين يغني العمل كثيراً ، و أنت تتأمل الدور لا تستطيع مراوغة
صورة كلينت إيستوود الشاب في كلاسيكيات الويسترن ، تشعر (أثناء ربطك
ذلك بشخصية ويليام ماني) بأن كلينت ايستوود و ويليام ماني يفعلان الشيء ذاته ، يعودان بعد زمن لممارسة شيءٍ
كانا عظيمين فيه سابقاً ، هذه الصورة أغنت حقيقية أداء كلينت ايستوود و
واقعيته و منحته أخيراً و بجدارة ترشيحه الأول للأوسكار و في صنفٍ قدم فيه الكثير
، بالمقابل يجسّد جين هاكمان في ليتل بيل ميزاناً صعباً جداً بين صرامة رجل القانون و تأنّي الرجل المتحضر
و عنف الخصم التقليدي في أفلام الويسترن ، يبدو عظيماً في أي وجهٍ
لذلك المثلث ، و ورائهما طبعاً يقدم ريتشارد هاريس و مورغان فريمان أدائين ممتازين بالرغم من عدم استيعابي لفكرة
وجود رجل كوبوي أسود في حقبةٍ كتلك .
بسبب أفلامٍ كهذه
أعتبر أن ايستوود هو أعظم ممثلٍ تحول للإخراج ، نال هذا العمل العظيم
قيمته بالتقادم بالنظر لفرادته و استثنائيته عن أي فيلم ويسترن آخر جاء قبله أو
بعده ، و عندما وضعه AFI في المرتبة الثامنة و
الستين لأعظم الأفلام في تاريخ هوليوود و في المرتبة الرابعة لأعظم أفلام الويسترن
لم يكونوا يجاملونه ، هو حالةُ تجلٍ فريدة في الرغبة نحو كسر القالب التقليدي
لفيلم الويسترن ، ليس على مستوى السرد و إنما على مستوى التلاعب
بنوعية الشخصيات التي قدمها الصنف سابقاً و الوقوف بها على جانبي الخير و الشر بين
الهلامية و الحدية من أجل نظرةٍ عميقةٍ في عالم الويسترن الذي ينهار
على أعتاب الحضارة الجديدة ، و في قيمٍ غير واضحة المعالم لمفاهيم (الحق) و (العدالة) و (القانون) في
غربٍ لا يرحم .
التقييم من 10 : 10
0 تعليقات:
إرسال تعليق