كتب : عماد العذري
بطولة : روبرت ميتشوم ، شيلي وينترز ، ليليان غيش
إخراج : تشارلز لوتون
أن تخرج فيلماً شيء ، و أن
تخرج فيلماً يتذكره الناس شيءٌ مختلفٌ تماماً ، في الواقع نحن لا نتذكر سوى الجزء
اليسير جداً من أسماء المخرجين الذين تعاقبوا على هذا الفن منذ نشأته ، هذا الجزء
هو ذاك الذي استطاع أن يحقق الإضافة لما هو موجودٌ قبله ، حققها لأنه امتلك
الموهبة قبل أي شيء آخر ، هناك مخرجون محدودو الموهبة عملوا في هذا الفن لعقود و
لم يستطيعوا أن يلامسوا طرف المجد الذي حققه الممثل البريطاني تشارلز لوتون في تجربته الإخراجية الوحيدة .
تشارلز لوتون من الممثلين الذين يروقونني ، في جميع الأفلام التي
شاهدتها للرجل لم استطع اغفال الحضور القوي الذي يأسر من خلاله المشهد ، هذه
الكاريزما جعلت منه واحداً من أهم الممثلين البريطانيين في زمانه بمسيرةٍ حافلةٍ
ضمت كلاسيكياتٍ مثل Island of Lost Souls و The Private Life of
Henry VIII و Mutiny on the Bounty و
بالتأكيد Witness for the Prosecution ، و مثل كثيرين غيره راود الرجل حلم أن يخرج فيلماً !
، تلك الرغبة في الإنتقال من الوقوف أمام الكاميرا الى الذهاب خلفها و نقل ما
اختمر من خلاصة العمل السينمائي و تجسيده إخراجياً في فيلمٍ ما ، كانت هذه التجربة
العمل الإخراجي الأول في مسيرة تشارلز لوتون ، أنجزها في 36 يوماً فقط ، و لم يكن يخطر بباله ذلك
الجفاء الواضح الذي قوبل به فيلمه هذا من قبل النقاد و الجمهور على السواء ، و حجم
الردة الواضحةً التي تولدت لدى الممثل الطموح الراغب بأن يخرج أكثر من فيلم
مستقبلاً ، أوقف مسيرته الإخراجية هنا و غدى عمله الإخراجي الأول هو عمله الوحيد ،
مرت السنوات و أدرك الجميع – نقاداً و جمهوراً – أن ما حققه الرجل هنا كان مختلفاً
الى الدرجة التي جعلته واحداً من أعظم الأعمال السينمائية غير المقدّرة في تاريخ
السينما كله .
كتب نص هذا الفيلم السيناريست جيمس آغي عن روايةٍ حملت الإسم ذاته لديفيد غروب ، مزج الرجل في نصه الكثير من الواقعية مع كميةٍ لا بأس بها من التعبيرية الألمانية الآفلة ليحقق معادلةً غريبةً و فريدةً من نوعها و
ربما غير سهلة التقبل في عصرها ، الحكاية عن هاري باول ، اللص الذي قضى في السجن محكوميةً مدتها شهر واحد ،
هناك التقى بلصٍ آخر يدعى بن هاربر ارتكب جريمتي قتل و سرق عشرة آلاف دولار و خبأها في
مكانٍ ما ، و لما عجز هاري باول عن معرفة مكان النقود التي خبأها بن هاربر قبل أن يقاد الى إعدامه ، قرر الرجل بمجرد اطلاق
سراحه التقرب من عائلة هاربر و كسر الحاجز مع ولديه على أمل أن يصل الى غايته .
نظرياً تبدو الحكاية أقرب الى
فيلم إثارةٍ و تشويق ، عملياً تختلف المعالجة تماماً عما تبدو عليه ظاهرية الحبكة
، يتبنى هذا النص سواءً من خلال تصميم شخصياته ، أو تصميم البيئة التي يضعهم فيها ،
أو من خلال افراطه الصارخ في الرمزية صناعة شيءٍ مختلف عن صراع الخير و الشر ، يوسع
فيه اطار هذا الصراع مستغلاً نبرته التعبيرية الحادة من اجل اعطاءه مذاقاً أكثر
شموليةً و ديمومة ، ليبدو بالنتيجة قصةً توراتيةً عن الصراع الأزلي للإنسان بين
الخير و الشر و رحلة الخلاص من الثاني من خلال إيجاد الأول .
تبدأ هذه الحكاية بمقدمةٍ
تختصر الكثير مما يقوله الفيلم ، خلفيةٌ لنجوم السماء ، تراتيل أطفال ، و إمرأة
تحكي للأطفال حكايةً عن الأنبياء المزيفين و الذئاب المتنكرة في زي الحملان ، يبدو هذا التمهيد فعالاً
لصورة الرحلة الكابوسية للأطفال التي سيقدمها لاحقاً ، بعد قليل نلتقي هاري باول ، واحدة من أكثر الشخصيات شراً في تاريخ السينما ،
صورة لا يختزلها سوى وشمي Love و Hate
المنقوشين على أصابع يديه ، نبيٌ مزيف و ذئبٌ متنكرٌ في زي الحمل ، نلتقيه باكراً
جداً و نلتمس فيه حقده و نظرته الناقمة على المجتمع ، سرعان ما يعرّفنا على ذاته و
ندرك طبيعته كقاتلٍ متسلسل يصطاد النساء الغنيات الوحيدات أو الأرامل ثم يتخلص
منهن ، يتصرف كأنه مفوضٌ من قبل الرب ، و أنه يقوم بذلك لسبب ، يتهمهن بالإغراء و
الإباحية ، يمزق جيب سترته حنقاً عند حضوره حفلاً لراقصة ، يكسو كل تصرفاته بمسحة
إيمان يصبغها على افعاله الاجرامية ، ينطلق كالمسعور وراء المال بمجرد اطلاقه من
سجنه ، يحشر نفسه في عائلة بن هاربر ، يأتيهم في زي الواعظ ، يحاول التقرب من ولديه جون و بيرل ، و يتزوج أرملته المنكسرة ويلا ، خلال هذه المرحلة المبكرة من الفيلم يبدو النص
حدياً في تجسيد الفاصل بين الرجل و المرأة في الفيلم ، فاللص بن هاربر لا يختلف كثيراً عن هاري باول ، هو لا يثق بزوجته (صورة المرأة في الفيلم) لذلك هو لا يخبرها بمكان المال و يطلب من
ابنه ألا يخبر والدته ، هو حديٌ تجاه المرأة مثل هاري باول ، و في الوقت ذاته يبدو على قناعةٍ أيضاً بأنه يتصرف
بناءً على دافعٍ ما ، هو يبرر جرائمه من خلاله اقتناعه أنه فعل ما فعل لينقذ هؤلاء
الصغار من مصيرهم المجهول ، تماماً كما يبرر هاري باول جرائمه ، هذه الحدية في تقديم صورة الرجل (الصياد ، الذئب) تقابلها و تجعلها أكثر وضوحاً صورة
المرأة في الفيلم التي تدور و تتجلى
في فلكي الأرملة الكسيرة ويلا (الفريسة) ، و العجوز المحسنة ريتشل كوبر (الراعي) ، و لا تتجاوز صورة هذا الصراع في عمقها
الوشمين الموضوعين على كفي هاري باول ، اليد اليسرى ، يد الكراهية التي قتل بها قابيل هابيل ، و اليد اليمنى ، يد المحبة التي عمرت هذا الكون و
جعلته يستمر ، هذه الإطار الذي توضع فيه الشخصيات هو محاولة لإخراج الصراعين الأزليين
بين الخير و الشر و الرجل و المرأة خارج إطاره التقليدي القديم الذي يربط هذه
الثنائية دائماً بقصة الغواية ، هو يعيد إحياء الصورة بطريقته التعبيرية الحادة ،
يجعل من علاقة الذئب بفريسته صورةً متناقضةً لمفهومي الطهر و الخطيئة ، الطهر الذي يرتبط بالذئب ، و الخطيئة التي توصم بها الفريسة ، ويلا المنكسرة بعد ما حدث لزوجها و لحياتها تنهار أمام باول بدافعٍ من جاذبيته و إيمانه و طهره الظاهري ، و
بدافعٍ أيضاً من رغباتها المكبوتة كأرملةٍ شابة ، لذلك يبالغ باول بقمعها جنسياً منذ ليلة زفافهما ، يصبغ عليها صورة
المرأة المخطئة ، و تنصاع له باحثةً عن المغفرة و شاعرةً بخزيٍ شديد من زواجها به
النابع – كما يخبرها – من حاجاتها الجسدية ، يصور لها أن ذلك الإغراء الأنثوي هو ما أوصل زوجها لإرتكاب الجريمة ، و هي تقتنع بذلك
و تعترف به في جلسة تخليص ، قبل أن يريحها باول من حياتها للأبد كما فعل بأربعٍ و عشرين امرأةً أخرى
، النص يصر على جعل صراع الخير و الشر الذي يقدمه واضحاً جداً ، و توراتياً جداً ، لا وجود فيه للحياد في مشاعر المشاهد ، هو يخلصنا من ذلك الشعور
باكراً جداً و منذ المشاهد الأولى ، هذا الصراع يستمر بذات الوضوح في علاقة باول بالطفلين جون و بيرل ، علاقة الخطيئة في ابشع صورها بالطهر في أوضح تجلياته ، جون و بيرل طفلان بريئان لا ذنب لهما في كل الدوامة التي وضعا
فيها ، لهث والدهما وراء نزواته التي بررها لنفسه ، و فعلت والدتهما الشيء ذاته ، هما
يستبسلان في الدفاع عن تلك النقود التي تحرك كل هذا الصراع ليس بدافع الحصول عليها
، و إنما بدافعٍ من وعد جون لوالده و وعد بيرل لشقيقها ، هما أطهر و أكثر براءةً من أن يكونا طرفاً
في هذا الصراع لرغبتهما تجاه النقود ذاتها ، لذلك نشاهد في مشهد القاء القبض على باول في الختام ذات رد الفعل من جون الذي قام به عند القاء القبض على والده ، يمسك بطنه
و يتألم ، لا يتألم شفقةً مما يجري مع باول ، بل يتألم لأنه يرى أن المال (مصدر الخطيئة في الفيلم) هو أتفه من أن يعيشوا كل تلك المعاناة
الطويلة لأجله ، خسروا أباهم و أمهم بسبب شيءٍ لا يعنيهم ، هما الصورة الإختزالية
البيّنة جداً لـ (الحمل) ، يطاردهم الذئب المسعور في صورةٍ كابوسيةٍ حقيقيةٍ
، يهربون عن طريق النهر ، تبدو الرمزية واضحةً جداً عندما يجدون السبيل نحو الأمان في قارب والدهم ، ينجحون في ذلك ، نعيش هدوءاً مباغتاً أثناء عبورهم
النهر ، نرى في هذه الرحلة ضفدعاً و شبكة عنكبوت و بومة و سلحفاة و أرانب و ماشية ، صورة مكثفة للطبيعة الخام ، الفطرة كملجأ للإنسان من شروره ، يتوقفون للحصول على الطعام
من امرأةٍ محسنة ، ينامون في حظيرة ، بينما تُرسم أكثر صور الفيلم كابوسيةً لباول يسير في السيلويت حد الأفق في مطاردته المستميتة لهم قبل أن يتابعوا
مسيرتهم في النهر مجدداً ، يرينا النص – و في رمزيةٍ واضحة - أن أكثر لحظات الخطر
التي تداهمهم هي تلك التي يقضونها على اليابسة ، يبدو النهر حصن الأمان بالنسبة
لهم ، و ما أن يصلوا اليابسة مجدداً حتى يجدوا ذلك الأمان في صورةٍ مختلفة هي شخص ريتشل كوبر ، المرأة المحسنة التي ترعى الأيتام و يجسد من
خلالها النص الصورة الحرفية لـ ( الراعي ) ، تجبرهم ( كالخراف )على القدوم معها الى منزلها ، و من خلالها و من
خلال حكاياتها و أحاديثها يتابع النص اشاراته التوراتية في قصة موسى و المسيح و الملك هيرودس ، يبدو الأمان الذي يطل من وجودها نابعاً من تلك
المقدمة الصغيرة التي افتتح الفيلم بها عن الشر المغلف الذي لا يمكن تبينه الا
برؤية أثره و افعاله ، لذلك تتجسد فيها بالنسبة لأولئك الصغار صورة الراعي الصالح الذي ارسل لرعايتهم ، هذا التجسيد التعبيري يكون
حدياً جداً سواءً من خلال مواجهتها المباشرة لباول ، أو من خلاله صورةٍ لها في السيلويت ساهرةً على كرسيها تحرس المكان بالبندقية ، النص
يخرج الحكاية خارج حدودها الواقعية التقليدية ، و يصبغ عليها الكثير من الرمزية و
الكثير من الحدية في تقديم الشخصيات و هذا برأيي ما يمنحها مذاق الخلود ، صراع الذئب و الحملان صارخٌ جداً ، لوحة الهروب في القارب لها ذات المذاق
و الرهبة للقصص التوراتية ، و رحلة طفلين في درب الشرور بحثاً عن الأمان لا تستطيع
الا أن تكون رحلةً كابوسيةً حقيقيةً بكل ما للكلمة من معنى ، و المثير أن النص يدعم
ذلك بألا يسمح للرمزية بأن تنسل فقط في خلفية الصورة بل هو يظهرها بوضوح ،
و صور الخير و الشر و البراءة و الخطيئة و الخوف و الأمان و رمزية النهر و الطبيعة الخام التي تحيط به ، و مشهد قتل الأم ، أو مشهد القبو ، أو مشهد الإنتظار في منزل كوبر ، كلها صورٌ واضحةُ جداً تعزز
ذلك المذاق الكابوسي للحكاية من جهة و تمنحها الأفق الأوسع و المذاق الأكثر
ديمومةً و بقاءً و عمقاً من جهةٍ أخرى.
و بالرغم من القيمة العالية
جداً للنص في شخوصه و عمقه و رمزيته الا أن الجزء الأعظم من قيمته يستمد من قيمة الانجاز
الاخراجي الكبير من تشارلز لوتون الذي يحقق نتيجةً مثيرةً و معقدةً و عميقةً جداً و
مختلفةً أيضاً ، مختلفةً إلى الدرجة التي من الصعوبة معها فعلاً أن تتذكر شيئاً
مماثلاً أو مقارباً لها بالرغم من مرور السنوات ، يبدو ولع الرجل في تقديم عمله
الإخراجي الأول نابعاً في جزءٍ منه من تقديره الذي يبدو واضحاً للتعبيرية الألمانية و النهج الذي تنهجه في تصوير الجانب المظلم للإنسان و الإستخدام المكثف للرمزية في التعبير عن ذلك و التوظيف المختلف للضوء و الظلال لخدمة ذلك العمق ، و القفز على الواقعية و التجرد من الصور النمطية للعالم الذي يحيط بنا ، هذا لا يمكن تجاوزه في فيلم
تشارلز لوتون هذا الذي يتشبع بالتجريبية و التعبيرية و بالكثير من طقوس النوار ليقدم تجسيده لهذا الصراع القوطي الفريد من نوعه بين
الخير و الشر ، و شعورنا بإنتماء هذه الحكاية الى عالمنا يضاهي أيضاً شعورنا
بقدمها و أزليتها ، هذا يتجلى بوضوح و يُخدم بشكلٍ فعال من خلال عمل مدير التصوير ستانلي كورتيز في كافة مفاصل الفيلم ، في مقدمة الحكاية يتعامل لوتون بشكلٍ ممنهج مع اللقطات الجوية لإعطاء الصورة
روحانيةً واضحةً عن عناية الإله و رعايته لعباده و مراقبته لأولئك الذئاب
المتناثرين في اصقاع المعمورة ، ننتقل بعدها الى كاميرا منخفضة لنعثر على جثة
القتيل ، قبل أن نعود للقطات الجوية للبحث و العثور على القاتل ، هذا التوليف
البصري فعالٌ جداً طوال الفيلم و يخدم قيمة النص و يغني الإحساس الذي يريد ترسيخه
عن المراقبة الالهية للذئاب و الحملان سوية ، علاوةً على ذلك تبرز قيمة الستايل المسرحي الواضح للحكاية كما يسردها لوتون ، و كأنما بمواقع التصوير تتحول الى مسرحٍ كبير من
خلال حركة الممثلين ضمن كادر الصورة و نوعية الإضاءة في مسرح الحدث و طريقة
توظيفها في خدمة رمزية القصة حتى مع كسره واقعية المشهد ، نشاهد جون على سبيل المثال يحكي لشقيقته قصةً عن ملكٍ افريقي
قبل أن يظهر انعكاس باول - الذي يراقب غرفتهم - على الحائط ، هذا الانعكاس
يتفوق على منطقية المشهد من خلال موقع باول من الضوء و حجم الإنعكاس على الحائط و موقع جون ضمن الغرفة ، لكنه يوظف بفعالية لترسيخ رمزية الذئب و الحمل ، هذا يتكرر بالنسق ذاته في جميع مفاصل الفيلم و
يؤكد على قيمة منجز تشارلز لوتون في إدارة المكان و إنعكاسات الضوء ، لكنه يبلغ ذروة تأثيره تحديداً من خلال محاولة خلق
المذاق الكابوسي لهذه الرحلة الطويلة من الصراع بين الخير و الشر ، لا تغادر
ذاكرتي صورة القطار الذي يقدم البلدة مع زاوية تصويرٍ مائلة يعطينا شعوراً حقيقياً
بالشر القادم و كأن الكونت دراكيولا في طريقه الى لندن ، أو مشهد القبو المقلق ، أو الصورة الشاعرية
المؤلمة لجثة ويلا نائمةً في قاع النهر حيث
اعتقد باول أولاً أن المال قد رُمي هناك
، أو الصورة التي لا تنسى لباول يركب حصانه و يسير في مدى الأفق يدندن أغنياته
المقلقة ، ينجح لوتون تماماً في تجسيد هذه الصورة الكابوسية المقلقة ثم
يدعمها ببعض الهزلية التي تعطيها مذاق المحاضرة الأخلاقية و تحررها من نمطية الحكاية ، نشاهد ذلك مثلاً في طريقة قتل الأم ، و في جلستها الشاعرية أسفل النهر ، و في محاولة باول الهزلية اللحاق بالمركب ، و في استسلام جون للنوم مباشرةً بمجرد تحرك المركب ، و في محاولة الوصول للأطفال عندما ينسلون خارج القبو على
طريقة وحش فرانكنشتاين ، كل تلك الصور الهزلية تدعم رمزية الفيلم و تخرجه خارج التقليدي على مستوى الحكاية
التي يسردها الى ما هو أعمق و أكثر شموليةً في قيمته و موعظته الأخلاقية .
على مدار كل ذلك يقدم روبرت ميتشوم ربما أفضل أداءٍ في مسيرته ، دوره هنا مختلفٌ الى
حدٍ بعيد عن نوعية الأدوار التي اعتاد الرجل أداءها ، سوداوي جداً و ينضح بالشر ، و
هو يقدم من خلاله مزيجاً مدروساً من الهدوء و إثارة الريبة و الوحشية و الحس
الإيماني الزائف ، كل هذا من خلال خلق اطارٍ تعبيريٍ مختلف يدعم التحرر المطلوب للفيلم
من واقعيته المفترضة نحو صورة أكثر حدية و تعبيراً عن الشر المحض المجسد في إنسان هي
دون شك واحدةٌ من أكثرها شهرةً و عظمةً في تاريخ السينما كله ، بالمقابل توضع شيلي وينترز في دورٍ صعبٍ جداً لم يجعلني أشعر بها كما يجب و هي
تقوم به بالرغم من موهبتها التي لا يُختلف
عليها ، بينما تعود العملاقة ليليان غيش بعد سبعة أعوامٍ كاملة من الغياب لتقدم دور ريتشل كوبر و تسرق كل مشاهدها بأقل مساحةٍ من الظهور ، تحقق
توازناً ملموساً جداً بين الجانب الإيماني الخيّر في الحكاية مع ذلك الجانب الوحشي المظلم الذي يجسده باول .
التجربة الإخراجية الوحيدة لتشارلز لوتون هي دراما تقع بين حدود الشعر و الرعب و لا تنتمي
لهما ، فيلمٌ عظيمٌ و فريدٌ جداً من نوعه عن الغواية و الخطيئة و الوحشية و الطهر
و الرفض و الرضا ، تكلله صورةٌ كابوسيةٌ عظيمةٌ و لا يمكن نسيانها لصراع الخير و
الشر ، و لمطاردة الذئب للحملان في وادي الشرور ، و للراعي الذي يقف ساهراً يذودها
عن الحمى ، واحدٌ من أقل الأعمال العظيمة تقديراً في تاريخ هوليوود .
التقييم من 10 : 10
0 تعليقات:
إرسال تعليق