كتب : عماد العذري
بطولة : جان لوي ترانتينيان ،
إيمانويل ريفا
إخراج : ميشائيل هانِكه
هانِكه مخرجٌ كبير ، هذه ما أختتمُ عليه كل فيلمٍ أشاهده له مهما كان تقييمي لذلك الفيلم ، من
الصعب ان تتجاهل البصيرة الإخراجية و التمكن من الأدوات التي يتمتع بها
النمساوي الذي بلغ السبعين من العمر ، من منظورٍ آخر أراه أيضاً اكثر المخرجين
عالمية ، في كل أفلامه أشعر بتلاشي الحواجز الزمانية و المكانية بالمقارنة مع
رسوخها في أفلام جانغ يمو أو بيدرو ألمدوبار أو عباس كيارستمي بالرغم من أنني أحبهم أكثر منه .
في فيلمه السينمائي
الثاني عشر و الذي منحه سعفةً ذهبيةً أخرى و ترشيحاً لأوسكار أفضل إخراج يتناول
الرجل – كما هو اسم الفيلم – الحب ، لكن بالطبع من منظورٍ مختلف ، تناوله للحب يختلف عن
عددٍ كبيرٍ من الأفلام التي تضعه محوراً لقصتها ، جزء كبيرٌ من أعظم القصص
الرومانسية يتناول إما كم التعقيدات التي تضرب علاقة الحب من الخارج و مقدار
الكفاح الذي يبذل للحفاظ على علاقة الحب تلك ، أو كم التعقيدات التي تضرب علاقة
الحب من الداخل ، من ذوات المحبين أنفسهم ، و صراعهم المرير لتجاوز تلك التعقيدات
بدافع من عظمة العاطفة التي يحملونها لبعضهم ، في كلا الحالتين تدافع الأرواح
الحية عن الحب و تحضه على الإستمرار و البقاء ، في فيلم ميشائيل هانِكه هذا ينبعث
الحب (النقي ، الخالص ، الدهري) ليحافظ على أرواحنا حية ، في معظم أفلام الحب
العظيمة يكون الحب غايةً بحد ذاتها و هدفاً يمنحنا التمسك به (حياةً) أفضل ،
في فيلم ميشائيل هانِكه الحب هو وسيلةٌ لإستمرارنا ،
ربما دون (حياةٍ) لو كلّف الأمر .
القصة عن جورج و آن مدرسان
متقاعدان للموسيقى يعيشان عقدهما التاسع في شقتهما التي شهدت أجمل سني عمرهما ،
يقضيان حياتهما في استذكار الأيام الجميلة و التواصل مع بعض طلابهم السابقين أو
حضور بعض الحفلات الموسيقية لهم ، الأمور كلها تتغير عندما تصاب آن بسكتةٍ
دماغيةٍ عابرة تتبعها أخرى تخلّف ورائها آن مصابةً بشلل في نصفها الأيسر ، يجد العجوز الثمانيني نفسه
أمام تحدٍ صعب يتمثل في وضع آن الجديد ، يحمل جورج على عاتقه التكفل برعاية زوجته في
منزله بعيداً عن الشعور المقيت بالهوان الذي يمكن أن تعيشه في المستشفى ، يتغير
ايقاع حياته ، يبقى الى جوارها على الدوام ، و يجاهد لإبقاء معنوياتها عاليةً مهما
حدث .
بالنسبة لي هذا فيلمٌ
عظيم ، شاهدته مرتين متتاليتين دون فاصل ، يفتتح هانكه أحداث فيلمه من النهاية ، فرقةٌ من
رجال المطافئ و ضباط الشرطة يقتحمون منزلاً تفوح منه رائحة موتى ، سرعان ما يعثرون
على جثة امرأةٍ عجوز نائمةٍ في فراشها ، و لا يصعب علينا بنهاية الفيلم أن نعتقد
أن زوجها توفي – طبيعياً أو منتحراً – أثناء نومه في الغرفة الصغيرة المجاورة
للمطبخ حيث المكان الأخير الذي نشاهده فيه في ختام الفيلم قبل أن ينهض ليرافق خيال
زوجته الميّتة و يخرجان سويةً من المنزل ، في افتتاحية الفيلم يقول لك النص باكراً
جداً بأنه لن يثيرك ، لن يستفزك ، لن يحرض خيالك ، و لن يجعلك تفكر إلى أين ستمضي
شخصياته ، ما يهمه فقط هو أن تشعر أثناء سير الأحداث كم هو قاسٍ و مؤلم الإحساس
بذلك الشعور من التلاشي و الضعف و أنت تسير نحو تلك النهاية ، هو لا يهتم بالنتيجة
التي ستشاهدها في الإفتتاحية فالحب عنده ليس هدفاً ، هو يهتم فقط باستنطاق القوة
الخالصة للحب في تلك المرحلة القاسية و المؤلمة من حياة المحبين ، عظمته تكمن في
الصورة المختلفة التي يرسمها عن الحب كمفهوم : في الغور الأعمق من مفهوم الحب
التقليدي الذي نعرفه هناك دائماً ملمح أنانيةٍ واضح يكمن في رغبتنا – مهما كابرنا –
في تملك الحبيب ، و في رؤيته لنا وحدنا ، البطل في ذلك المفهوم هو الشعور العظيم
بالتوحد مع الآخر و الذي ينمو و يكبر يوماً تلو آخر حتى نكاد نشعر بأننا جسدٌ و
روحٌ واحدة عندما يكون الحب قد نمى و أصبح كائناً له وجود في عالمنا و هو قادر
بوجوده على تجاوز كل التعقيدات التي أمامه ، هذا الفيلم مختلف ، هو مثل رائعة سارة بولي Away From Her فيلمٌ عن الحب الموجود
أصلاً ، عما يمكن أن نسميه (استدعاء الحب) ، تحريضه و اختباره و تحديه ، تلك المرحلة التي
تجد فيها علاقة الحب العظيمة التي نمت على مدى نصف قرن اختبارها الأصعب بعد كل تلك
التعقيدات التي تجاوزتها ، الحب الذي يُستفز و يتوهّج و يُبهِر في الأمتار الأخيرة من
حياتنا .
قوة الفيلم تستند قبل كل شيءٍ إلى نصه ، أحد مكامن قوته أولاً يأتي من الأحاسيس التي يوصلها لمشاهده ،
الحدث هنا مؤلم ، الألم فيه غير مبتذل ، ألمٌ حقيقي تشعر به في صوت آن و آهاتها و
في نظرات جورج الرثائية ، ليس الرثاء المصطنع ، و إنما الرثاء الذي ينسل تحت العظم وتشعر
به قبل أن تراه ، الألم وفقاً لهذا النص هو احساس قبل أن يكون صورة ، والنص يجيد التقاط التفاصيل اليومية التي يمكنها أن تجعل ذلك الإحساس حقيقياً وسهل الوصول ، مكمن قوة
النص ثانياً أنه لا يسلمك فقط للأحاسيس أو لما يمكنك أن تستنبطه من أداءات ممثليه
، بل يصر على تصوير صعوبة و تعقيد ذلك التحول (عملياً) : مسؤوليات جورج الجديدة
، مساعدة آن في الجلوس على الكرسي المتحرك ، مساعدتها في العلاج الطبيعي
، تحضير الطعام ، الإهتمام بالتسوق ، مساعدتها في ملابسها أو نظافتها ، هو يصر
بالتوازي على عمله المكثف على الأحاسيس أن يجعلك تعيش يوميات جورج ، تشعر
بألمه الداخلي و هو يشاهد شريكة حياته تتحول الى مخلوقٍ خرف ، يصور لك من خلال
اليوميات كم الإمتنان و الحب و الإخلاص الذي يشعر به جورج و رغبته في
نهايةٍ كريمةٍ لزوجته التي ترفض انهاء حياتها في مستشفى و تجعله يعدها بذلك ، و
بالمقابل يجعلك النص تدرك بأن آن تقدر ما يفعله جورج بالرغم من سوء حالتها التي تعيقها عن
التفكير بذلك ، و تدرك أيضاً بالمقابل ما الذي يعنيه لها ألا تقضي بقية حياتها في
مستشفى ، هي ليست بحاجةٍ لشفقته كما تخبره ، لكن أيامهما العظيمة وحدها تجعلها تطلب
منه أن يقسم على ابقائها في منزلها ، و عندما يعدها جورج بذلك ندرك نحن
كمشاهدين قيمة حبٍ عمره خمسة عقود ، يمكن أن أقول أن المكمن الرئيسي لعظمة هذا النص هو الميزان
الدقيق جداً الذي يعمل عليه بين الأحاسيس التي تصل للمشاهد و الأفعال و التصرفات
التي يراها ، يعمل عليها في خطين متوازيين لينسج في الصورة الكلية لوحةً مؤلمةً
للحب الخالص المنبعث في لحظات اليقين الأخيرة في حياتنا .
ما يجعل هذا النص مختلفاً أثناء سبره هذا هو أنه - بعبقرية - لا ينزلق في أي توجيهٍ عاطفي أو دغدغةٍ للمشاعر ،
لا بكاء ، لا عواطف جياشة ، لا إستجداء للمشاهد ، لا تذمر ، هو يكتفي – كعادة أفلام هانِكه – بالمراقبة لأنه يعرف تماماً أن ما نشاهده في
الأساس عاطفيٌ جداً ، هو ليس بحاجة ليخبرك على لسان أيٍ من شخصياته كم هي قاسيةٌ
تلك الحالة التي يعيشونها ، هانِكه من خلال عمله الإخراجي العظيم يجعلنا كمشاهدين
رفاقاً لشخصياته و ربما ضيوفاً غير مدعوين على منزلهم ، نحن لا نغادر الشقة منذ
عودة جورج و آن من الحفل الموسيقي ، هذا ما يحدث أيضاً لجورج و آن ،
يطول بقائهم في الشقة كما يحدث لنا ، و لأننا سنطيل المكوث هنا يتفوق هانِكه في جعلنا
نشعر بأبعاد المكان و تفاصيل الشقة ، بسهولة سنحفظ مكان الباب ، أين يقع المطبخ ،
أين تقع غرفة النوم أو غرفة المعيشة ، هانِكه على المستوى البصري انسيابيٌ جداً في خلق احساسنا بتفاصيل المكان و حشرنا مع
شخصياته في منزلهم إلى الدرجة التي لا يجعلنا فيها نفكر في مغادرته أصلاً ، يخدمه في ذلك كثيراً العمل التصويري الممتاز من داريوس خونجي المعتمد بشكلٍ أساسي على اللقطات المتوسطة اضافةً لاهمال الموسيقى التصويرية من أجل وضعنا تماماً ضيوفاً على هذا المنزل ، الأمر لا يتوقف على الكيان المادي لبيئة الحدث ، بل هو يستغل ذلك الإحتجاز الذي
يمارسه علينا في الشقة و يذهب بعيداً في ذلك على المستوى المعنوي و الروحي أيضاً ، يجعلنا
جزءاً من الشخصيات ذاتها و جزءاً من طريقة تفكيرها و تعاملها ، هو يجعلك ترتبط
بالحالة و تصنع محاكاتك الشخصية بنفسك و تحاكم ما يجري و تدرك بنفسك كم أن ذل
الضعف قاسٍ و مؤلم ، يبدو – أكثر من معظم الدراميات المماثلة – و كأنما يختبر
احساس المشاهد الشخصي بما يجري ، و جزءٌ كبيرٌ من تباين الآراء و التقييمات حوله
ينبع في الأساس من هذه الجزئية ، في المشهد الوحيد الذي نشاهده لأسلوب عمل الممرضة
الثانية يصلك الشعور تماماً بأن الممرضة الثانية ليست أهلاً لمسؤولية التعامل مع
مريضٍ عاجز ، هو يجعل المحاكمة شخصيةً لدى المشاهد ، يجعله يتذكر المشهد المطوّل
للممرضة الأولى تغيّر بلطف و احترافية حفاظات آن ، و يقارنه بمشهد
الممرضة الثانية تمشط برعونةٍ شعر آن و تجبر امرأة ضعيفةً و هاربةً من واقعها المؤلم على رؤية
نفسها في المرآة ، الشعور بالتباين ينطق على الشاشة دون إدعاء ، لا تحتاج لرؤية ما هو مفرط
الحنان أو ما هو قاسٍ و جلف لتدرك الفرق بين الإثنتين ، هانِكه لا يحتاج سوى
لهذين المشهدين فقط ليجعل طرد جورج للممرضة الثانية مبرراً ، و بالمقابل عندما يبدأ جورج بالإحساس
أن زوجته وصلت إلى طريق اللاعودة نشعر كمشاهدين – دون أن يخبرنا – بذات الأفكار
التي يفكر بها جورج ، نشعر بأن جورج بدأ يفكر في اراحة آن من عذابها ، نشعر
بذلك دون أن يتفوه بكلمة أو يتصرف تصرفاً واحداً يشعرنا بذلك ، الفيلم عظيم في
قدرته على ربط ما يجري بمشاهده دون أن يوجّه أو يحاكم ، و دون أن يخبرنا بالصحيح و
الخاطئ ، هو دائماً يصر على أننا لا نشاهد في حياتنا محاكمةً لتصرفاتنا أو لردود
فعلنا ، نحن فقط (نتصرف) ، لذلك هو يتركنا لمحاكمتنا الخاصة ، و بالتالي يكفينا في
ثلثه الأخير أن نلقي فقط نظرةً خاطفةً على شحوب آن و ألمها الذي لا
يتوقف لندرك إلى حدٍ بعيد ما الذي يعتمل في صدر جورج.
ثم يأتي مشهد الحمامة
، كثرت التأويلات حول رمزية مشهد الحمامة ، و في الواقع من يعرف هانِكه
جيداً سيدرك أن لا رمزية في الموضوع ، الرجل يقول دائماً بأنه يكره الرمزية و أجده
محقاً في ذلك ، بمجرد أن ظهرت الحمامة في المرة الأولى ابتسمت ، قلت لنفسي (هانِكه سيقتل الحمامة)
، ليس صعباً على من شاهد أعمال النمساوي أن يدرك العلاقة الوثيقة للحيوانات بفن هانِكه :
الأسماك في The Seventh Continent ، الخنزير في افتتاحية Benny's Video ، الحصان في Time of the Wolf ، الدجاجة في Cache ، و بالطبع العصفور في The White Ribbon ، الحيوانات وثيقة الصلة بفن هانِكه و أنا على ثقة بأن هناك أمثلةً أخرى في أفلامه التي
لم أشاهدها ، في أفلام هانِكه تلعب الحيوانات دوراً يشابه بالنسبة للشخصيات دور
الدوبلير بالنسبة للممثل ، هو غالباً ما يعمل على توظيف ظهورها كوسيلةٍ تأكيدية على
الثيم العام و الجوهر الأساس لعمق العمل ، و لأن الرجل في جميع أعماله يستنطق القسوة
و الوحشية من صورنا الحياتية اليومية بطريقةٍ تجعلها أقسى و أكثر ألماً من بعض
أفلام الجريمة فإن تلك الحيوانات غالباً ما تواجه مصيراً سيئاً و ربما وحشياً
أيضاً ، عندما تظهر الحمامة أولاً كان جورج ما يزال يقف إلى جوار زوجته المتألمة ، يطارد الحمامة و
يجبرها على العودة إلى المكان الذي تنتمي إليه ، في الواقع كان يفعل هذا مع آن أيضاً ، كان
يجاهد كي يجعلها تستمر في البقاء معه ، حيث تنتمي ، تختلف الأمور عندما يقدم على
قتل زوجته ، يقوم بذات الشيء الذي فعله مع زوجته ، نراه يغلق النافذة و الباب –
كما فعل مع آن – يطارد الحمامة هذه المرة ليس بيديه المجردتين و إنما
بواسطة غطاء – تماماً كما فعل مع آن – يحضنها بمحبته ، يخبرنا أن مصير آن الذي اختاره لها
نابع من فرط محبته ، و من قوة رغبته في تحريرها و انهاء عذاباتها ، هو يكتب في
رسالته لها لاحقاً بأنه حرر الحمامة ، و تبدو هذه الفكرة وفقاً لما أعرفه عن هانِكه مرادفةً
لقتلها ، هو في الواقع لم يكن بحاجة لإغلاق النافذة و الباب اذا ما كان راغباً
بإخراجها ، الحمامة هنا ليست رمزاً ، هي – ضمن بقية حيوانات هانِكه - عنصر
استعارةٍ فعال لطالما أجاد النمساوي توظيفه في مجموعةٍ من أهم أعماله و لن اقول
جميعها لأنني لم أشاهدها جميعها .
و بالرغم من كل ما
فعله هانِكه كاتباً و مخرجاً تبقى روح العمل موضوعةً في يدي جان لوي ترانتينيان
و إيمانويل ريفا ، محاربان فرنسيان عظيمان في قمة طغيانهما ، لطالما اعتبرت أن القوة الحقيقية لرائعة آلن رينييه Hiroshima, mon amour تكمن في أداء إيمانويل ريفا ، بالرغم
من مقدمته البديعة للغاية ، بالرغم من قصة الحب الخاطفة و المعقدة ، بالرغم من كم
الحميمية و التقدير و الإجلال الذي يضخه رينييه في فيلمه تجاه هيروشيما ، كل ذلك كان ليكون خاطفاً لولا الأداء العظيم من إيمانويل ريفا
لشخصية إل ، لم أشاهدها بعد ذلك سوى في بضعة أدوارٍ خاطفةٍ و اقل من
أن تذكر ، و من هذا المنظور اراها اختياراً موفقاً لأداء الدور : لم يشاهدها الناس
منذ زمن ، و عندما تأتي لتشاهدها في هذا الدور تزيل لك الحاجز بين العجوز
الثمانينية التي هي عليها في الواقع ، و العجوز الثمانينية التي تقوم بأدائها ، ريفا – و دون
أن تجعل المشاهد يدرك تماماً ما تفعل – تتدرج على مدى ساعتي العرض من امرأةٍ
كبيرةٍ في السن تذهب لحضور حفلةٍ موسيقية ، إلى عجوزٍ مصابةٍ بشلل نصفي تقضي وقتها
في قراءة الكتب ، إلى امرأةٍ بالكاد تتكلم و تقضي جل وقتها في مراقبة ما يجري من
حولها او الإستماع الى ما يقوله زوجها ، وصولاً إلى امرأة شاحبةٍ متألمةٍ تنحدر في
طريقها نحو ضربٍ من الخرف و العجز التام ، ميزان دقيقٌ جداً من الشخصية المتألمة و
المريضة و المحبّة و المحافظة على كرامتها و الشاعرة بالذنب أيضاً تجاه زوجها ، أدائها
لدور آن صادق و حقيقي جداً إلى الدرجة التي تكاد تشعر فيها بأن ريفا أصبحت
كذلك في الواقع ، على الأقل سيصعب عليك تخيلها بسهولة خارج الدور ، و بالمقابل
يقدم جان لوي ترانتينيان أداءاً يليق بمكانته كواحدٍ من أعظم الممثلين
الفرنسيين عبر العصور ، رؤيته و هو يعود من التسوق ، أو يدخل المطبخ ، أو يحكي قصصه
لزوجته شيءٌ يدخل القلب دون استئذان ، كفاحه لإبقاء شخصية جورج بعيدةً
عن ردود فعلٍ عاطفيةٍ فائضة أو مصطنعة ملحوظٌ جداً ، نظرات عينيه و حركة جسده و
هدوئه العجيب تكفي وحدها ، قادر بخبرة ممثلٍ عملاق على جعل حبه لآن كتلةً
مجسدةً تتحرك على قدمين و تتصرف بالفعل بناءاً على ما يمليه عليها حبٌ دام لعقود .
كما ذكرت في البداية
، هذا فيلمٌ عظيم ، فيلمٌ عن تلك المرحلة في علاقتنا بمن نحب التي يتحول فيها الحب
من غايةٍ مجردةٍ - نسخّر من أجلها كل حياتنا – إلى وسيلةٍ لتكريم و احياء كل
المعاني العظيمة التي اختبرناها في مواجهة التعقيدات التي ضربت الحب عندما كان
غاية مجرّدة ذات يوم ، فيلمٌ عن المرحلة التي تصبح فيها الأشياء البسيطة جداً ، و
البديهية جداً – كأن نأكل أو نشرب أو ننام – بحاجةٍ لمساعدة من نحب كي تتم بشكلها
الصحيح ، و فيلمٌ عن الألم الذي نقاسيه أثناء مرورنا بتلك المرحلة وصولاً إلى
خلاصٍ أبديٍ قد لا يأتي إلا بمساعدة من نحب أيضاً .
التقييم من 10 : 10
0 تعليقات:
إرسال تعليق