كتب : عماد العذري
بطولة : شيا ليبوف ، توم هاردي ،
جيسيكا تشاستين
إخراج : جون هيلكوت
منذ أن أطلق أول
أعماله The Proposition قبل سبعة أعوام ، استطاع الاسترالي جون هيلكوت أن يجد
لنفسه مكانةً مهمةً في هوليوود على الرغم من أن عمله الأول كان بعيداً تماماً عن
النمط الذي تحتفي به هوليوود عادةً ، مع ذلك لم يخيّب الرجل الآمال عندما تصدى بعد
ذلك بأربعة أعوام لرائعة الروائي الأميركي الكبير كورماك مكارثي The Road الذي
حظي اقتباسه لها بحفاوةٍ نقديةٍ واضحة ، عمله الجديد استقبل بشكلٍ جيدٍ في كان هذا
العام و ان لم يتمكن في مجمله من لفت العدد الكافي من الأنظار التي كانت بانتظار فيلمٍ
مرتقب من جون هيلكوت .
في Lawless يحكي نص السيناريست نك كيف قصة
ثلاثة اخوة من عائلة بوندرانت ، هوارد و فوريست و جاك ، يعيشون في فرجينيا الثلاثينيات من القرن الماضي و يكسبون رزقهم من تجارة
الخمور الرائجة بسبب أمثالهم في ذروة حقبة حظر الخمور بين الحربين العالميتين ، الأشقاء
الثلاثة هم ملوك المهنة في منطقتهم بفضل قيادة الشقيق الأوسط فوريست الذي عاد من
الحرب العالمية الأولى بأسطورة أنه لا يموت !! ، لكن فوريست و شقيقيه سيكونون
بحاجةٍ لما هو أفضل من تلك الأسطورة لمواجهة الفترة القادمة من حياتهم عندما يحوّل
مفوّض الشرطة المكلّف حديثاً في المنطقة تشارلي ريكز حياتهم إلى جحيم ، مرسلاً
أيام النعيم التي عاشوها إلى حيث لا رجعة .
النقطة التي دائماً
ما تثيرني في الأفلام التي تتناول حقبة منع الكحوليات في الولايات المتحدة
ثلاثينيات القرن الماضي تكمن في أنها أفلامٌ تعيش في الذاكرة مهما كان مستوى
جودتها ، تبدو الحقبة بحد ذاتها فاتنةً على الشاشة الكبيرة ، صراع الخير و الشر ،
المهربين و المحققين الفيدراليين ، المطاردات و العنف ، صورة الحلم الأميركي ،
قواسم مشتركةٌ فيها جميعاً على اختلاف قيمتها ، عندما أتذكر أفلام The
Untouchables و Road
to Perdition و Little
Caesar و Public Enemies و Miller’s
Crossing و Last
Man Standing و Bonnie
and Clyde و الأهم Once Upon a Time in America أجد أنها على اختلاف مستوياتها عالقةٌ في
الذاكرة و هذا ملفت ، فيلم جون هيلكوت الجديد لا يشذ عنها ، هو بالرغم من مشاكله
يبقى واحداً من الأعمال التي تبقى في البال عندما يعلن عام 2012 رحيله أواخر الشهر
، و الصورة التي يقدمها للحقبة لا تقل في قيمتها و أهميتها عن تلك الصور المهمة
التي قدمها أسلافه ، ربما لأن مشكلته الحقيقية لا تكمن في الصورة التي يقدمها
للحقبة و التي هي براقة و جميلةٌ و تستحق الثناء .
مشكلة العمل في
الواقع تكمن في النص الذي كتبه السيناريست نك كيف اقتباساً عن كتاب لأحد أحفاد الأخوة
بوندرانت ، النص يتناول حبكةً رئيسيةً تحوم حولها حبكتان ثانويتان أو ثلاث ،
مشكلته و هو يقوم بتأسيس كل هذا أنه لا ينجح في خلق ترابط قوي و حقيقي بين كل ما
يجري بالرغم من منطقيته و قوته ، حبكته الرئيسية التي تتضمن الصراع بين الإخوة بوندرانت
و المحقق تشارلي ريكز تتمحور حول الأسطورة التي نشأ عليها فوريست بوندرانت ،
المقاتل الذي لا يموت ، أمرٌ يبدو مضحكاً لتشارلي ريكز و هو سيعمل جاهداً على
تحطيم تلك الأسطورة ، لا يبذل النص الكثير ليثبت لنا أساساً منبع تلك الأسطورة ، قيمة
شخصية فوريست ضمن ما تقوم به ، و توم هاردي يبذل كل ما بوسعه ليصبح العمق الوحيد
للشخصية التي تقنعك بقيمتها بفعل وجود توم هاردي في الدور و ليس بفعل الورق
المكتوب لها ، الفيلم يطارد الأسطورة التي يستهدفها تشارلي ريكز أكثر من عمله على
منح عمقٍ حقيقيٍ لشخصياته ، يبدو و كأنما هو يقتنع فعلاً بأن شخصيته لا تموت ، و
عندما يزعجك رؤية توم هاردي يتجول في المشاهد هنا و هناك بشخصيةٍ خاليةٍ من الروح
عليك أن تدرك بأن الرجل يبذل قصارى جهده ليمنح قيمة للدور الذي يقوم به ، توم
هاردي ينجح إلى حدٍ بعيد في منح شخصية فوريست مذاق اسطورة الرجل الذي لا يموت ،
فيبدو ساخطاً و متمرداً و متجهماً طوال الوقت بالرغم من شعورٍ لا يخطئ بأنه يفتعل
في بعض منعطفات الشخصية ، و بالمجمل تتوه شخصية فوريست المحورية في النص إلى حدٍ
ما بين حقيقيتها و قيمتها ضمن البيئة و الوضع الذي تعيشه و بين الأسطورة التي تحوم
حولها ، و قليلٌ من الغبار الإنساني من نص نك كيف كان من الممكن أن يفيدها كثيراً.
و مع أن هذه الجزئية
لا تبدو واضحةً سوى بالغوص العميق في مقومات الشخصية إلا أنه تصبح أوضح مع شخصية
خصمه السادي تشارلي ريكز ، شخصية تشارلي ريكز شخصيةٌ صعبةٌ بالفعل ، هي ذات
مرجعيةٍ قانونيةٍ من جهة ، و هي فاسدةٌ جداً من جهة ، و مجنونةٌ جداً من جهةٍ أخرى
إلى الدرجة التي يتخطى جنونها مستوى فسادها و سطوة مصالحها ، و غاي بيرس الذي قام
ببطولة أفلام جون هيلكوت الثلاثة يقوم بدورٍ مماثل لدور توم هاردي ، هو يحاول
جاهداً منح روحٍ و معنى و عمق لشخصيةٍ يصر النص على ابقاءها بعيدةً عن ذلك ، لكنها
لا تنجو من مأزق النص كما تفعل شخصية فوريست ، إذ سرعان ما تصبح مع تقدم الأحداث
شخصيةً غير مفهومة ، لغزٌ غير متضح الملامح سواءاً على مستوى ساديتها أو على مستوى
رغباتها و مصالحها ، أو على مستوى علاقتها بالشرطة و طريقة تعاطيها مع الشرطة و
تعاطي الشرطة معها في مرحلة الذروة و الذي يبدو غريباً و مضحكاً ، النص لا ينجو
بفعلته هنا بالرغم من الجهود المقدرة من توم هاردي و غاي بيرس .
مع ذلك تفلت شخصية جاك
بوندرانت من هذا ، و تقدّم لنا أعمق من نظيرتيها ، بانكسارها ، و رغباتها المكبوتة
أمام شقيقين صارمين ، و بانبهارها بمجرمٍ شهير يدعى فلويد بانر ( يؤديه غاري
أولدمان ) ، و بصداقتها مع فتى طيب القلب يدعى كريكيت بيت ، و بالعاطفة التي
تضربها تجاه بيرثا مينيكس ابنة قس البلدة ( تؤديها ميا فاشيكوسكا ) ، جاك من هذا
المنظور هو روح هذا النص و شخصيته المحور و شيا ليبوف يجتهد كثيراً في هذا الدور
المختلف و الذي هو اضافةٌ مهمةٌ لمسيرة نجمٍ صاعد ، و مع ذلك لا ينجح النص تماماً
في جعله محوراً حقيقياً و يخطئ الى حدٍ ما عندما يبتعد عن الحبكة الرئيسية لصناعة
عمقٍ من خلال الحبكات الثانوية التي لا تخدمه في أي شيء ، و عندما ترتد إلى الوراء
لمشاهدة الصورة كاملة في المشاهدة الثانية أو الثالثة ربما ، قد يثيرك ان تجد أن
شخصيات العمل جميعها ليست شخصياتٍ عميقة بالطريقة التي ترضي عملاً كهذا ، مشكلة
هذا النص برأيي أنه نصٌ قنوع ، هو يمتلك نظرياً المادة الملائمة ليصبح واحداً من
كلاسيكات الصنف ، الحبكة ، و جاذبية القصة ، و المكان ، و الحقبة ، و الشخصيات
النمطية لتلك الحقبة ، إضافةً لمخرجٍ متمكن ، و طاقمٍ ممتاز ، لكنه لا يعمل كثيراً
على جعل القصة تعيش من خلال الشخصيات الثلاثة الرئيسية التي تدير الصراع هنا ،
يبدو نصاً كسولاً بحق على هذا المستوى ، و حتى تلك الأفلام التي تناولت حظر
الكحوليات و لم تتجاوزه في قيمته الفنية مثل Public Enemies اجتهدت نصوصها كثيراً لتمنح شخصياتها العمق
المطلوب لصنع كلاسيكيةٍ للصنف ، لكن هذا لا يحدث هنا ، لا على مستوى الأفعال ، و
لا حتى على مستوى النوايا .
في العمق العام للنص
يبدو تاغ لاين الفيلم معبراً عن النوايا ، ( عندما يفسد القانون ، يُصبح المجرمون
أبطالاً ) ، عمل النص الحقيقي يتركز هنا ، يتناول النص مسألة نسبية الشر : هل الشر
مطلق ؟ و هل هناك شرٌ مطلق على وجه الأرض ؟ أم أن قيمة الشر تتعلق بمقدار و نوعية القوة
التي تواجهه ؟ فيكون شراً عندما يواجه الخير ، و يصبح خيراً عندما يواجه ما هو أشدٌّ
منه شراً ، تشارلي ريكز يقدم إلى المنطقة بمخططٍ جديدٍ يتنافى و أبسط أخلاقيات
مهنته ، هو مقتنعٌ بأن مسألة تهريب الكحوليات ستستمر إلى أن يتم إيجاد حلٍ لقانون
الحظر ، لذلك هو لا يمنع نفسه عن استغلال تلك الحقبة في الحصول على المقابل المادي
من المهربين نظير سماحه لهم بممارسة عملهم اللا قانوني ، فساده هذا يترجمُ بقسوةٍ
و ساديةٍ تجعلها أكثر خطراً من المهربين أنفسهم ، اللذين سرعان ما يتحولون إلى
أبطالٍ يقاتلون لردع ريكز و أمثاله ، قيمة هذا العمق جيدة ، و هي كافية للمرور
بالفيلم أبعد من أن يكون مجرد فيلمٍ جريمةٍ مع بعض المشاهد الذروية ، لكنها مع ذلك
لا تصل تماماً بالصورة المطلوبة ، و تتوه بفعل افتقار شخصيتي فوريست و ريكز للعمق
المطلوب و للروح الحقيقية فتسلب هذه القيمة عن نسبية الشر جزءاً من أهميتها و بريقها
في عيني المشاهد ، لذلك تصبح مواجهة الذروة عند الجسر هزليةً جداً و مسرحيةً جداً
و لا توفق تماماً في تجسيد مواجهة الشرير و الأكثر شراً كصورةٍ مترجمةٍ للصراع
التقليدي بين الشرير و الخيّر .
على الجانب الآخر
ينجح جون هيلكوت برأيي في التغلب على عثرات النص ليصنع دراما مهمة تشكل اضافةً
لأفلام تلك الحقبة ، و يوفّق تماماً في صنع جوٍ من الرهبة و انعدام الأمان الذي
كان سائداً في تلك الحقبة ، تشعر إلى حدٍ ما بأنك تشاهد فيلم كوبوي تم تصويره في
فرجينيا الثلاثينيات ، و المثير أكثر في جون هيلكوت أنه يصنع هذه الرهبة من خلال
صورةٍ جميلةٍ لتلك الفترة ، يخدمه في ذلك دون شك الإخراج الفني الممتاز للفيلم و
الذي يبدو برأيي أكثر حقيقيةً من كثيرٍ من الأفلام التي تناولت فترة حظر الكحوليات
، و تصويره الفاتن للمنازل و الحانات و الكنائس و الشوارع و المتاجر يغني الخلفية
البصرية و يرمم إلى حدٍ ما عوز النص في خلق خلفيةٍ اقتصاديةٍ و اخلاقيةٍ و بيئيةٍ
مكتملة الملامح عندما تقارنه حتى بأقل أفلام الحقبة مستوى .
قيمة جون هيلكوت لا
تتوقف فقط عند تهيئة البيئة و رسم خلفية الأحداث بصرياً ، و لا تتوقف عند مستوى
الإيقاع الممتاز الذي يحافظ عليه طوال أحداث الفيلم بالرغم من ثغرات النص صانعاً
عملاً ممتعاً بالفعل في معظم مراحله ، و انما تبلغ قوتها و تأثيرها من خلال
ادارتها الممتازة لطاقم ممثليه ، توم هاردي و غاي بيرس و شيا ليبوف و غاري أولدمان
و ميا فاشيكوسكا ، و على الأخص جيسيكا تشاستين التي تقدم أفضل أداءات الفيلم ، جيسيكا
التي تلعب هنا دور ماغي بيفورد الراقصة القادمة من شيكاغو لتدير حانة الإخوة بوندرانت
في فرجينيا كواجهةٍ لأعمال الثلاثي غير المشروعة ، جيسيكا فاتنةٌ في دور ماغي ،
تسرق كل مشهدٍ تظهر فيه بالرغم من محدودية دورها ، و تفرض وجودها في دورٍ لا يحتمل
أي وجود ، و لو سارت أمورهما على ما يرام خلال السنوات القليلة المقبلة فأعتقد أن
ثنائية توم هاردي و جيسكيا تشاستين في هذا الفيلم ستصبح ربما أجمل ما فيه مع مرور
الزمن ، بالنظر للجاذبية العالية التي اكتسبها الممثلان الشابان خلال السنوات
القليلة الماضية ، الجميع في هوليوود لا يمل من الحديث عنهما ، لهما العمر ذاته ،
و جاءا متأخرين في هوليوود على عكس العادة ، و حظيا بسلسلةٍ مهمةٍ و متتاليةٍ من
الأدوار الناجحة ، توم هاردي بعد أدواره في Bronson و Inception و Warrior و Tinker
Tailor Soldier Spy ، و جيسيكا تشاستين بعد عامٍ حافلٍ كانت نجمته
الأولى دون منازع من خلال أفلام The
Debt و Coriolanus و Take
Shelter و The
Tree of Life ختمته بترشيحٍ للأوسكار في The
Help ، كل هذا البريق سيجعل مع مرور الزمن صورتهما في
الفيلم شيئاً من أجمل ما فيه ، بالنتيجة جون هيلكوت يبلي بلاءاً حسناً في فيلمه
الثالث أيضاً .
التقييم من 10 : 7
0 تعليقات:
إرسال تعليق