الأجمل في مهرجان بعراقة و أهمية مهرجان كان السينمائي الدولي
ليس فقط الجو السينمائي الذي يصنعه و ينعشه في عالم هذه الصناعة منتصف كل
عام ، و ليس فقط القيمة التنافسية الرفيعة التي يحققها لأسماء كبيرةٍ في عالم الفن
السابع يستمتع المتابعون بمشاهدتهم كل عام يخطون على السجادة الحمراء و يعرضون
مالديهم منتظرين إعجاباً أو إعترافاً من لجنة تحكيمٍ مصغّرة ، إنه الإحساس الذي لا
يمكن أن تصفه و انت تشاهد جديد مخرجين عملاقين لا يبحثان عن كل هذا و قد لا يضيف
لهما التواجد من عدمه أي قيمةٍ إضافية ، و مع ذلك يصرّان على تقديم ما يمتعك و
يرضيك ، خامس أيام كان حمل للحضور جديد آلن رينييه و عباس كياروستامي.
المخرج الفرنسي العملاق آلن رينييه حمل سنوات عمره التسعين و هو يقدّم عمله السينمائي
الجديد في كان You Ain’t Seen
Nothing Yet و الذي يقدّم من خلاله
واحداً من أكثر أعماله خصوصيةً طوال مسيرته ، الغوص عميقاً في الشجن الذي يحمله
مخرج Night and Fog و Hiroshima Mon Amour و Last Year at Marienbad لفن السينما و للعلاقة الأزلية التي ربطت هذا الفن بالمسرح .
في فيلمه الجديد يحكي العجوز الفرنسي قصة مخرجٍ مخضرم يحاول جمع
الطاقم الذي شاركه أحد نجاحاته القديمة من أجل مشاهدة عرضٍ مسرحي لذلك العمل ،
ثلاث ممثلات ، إثنتان لعبتا دور يوريدس في الأسطورة الإغريقية الشهيرة ، بينما لعبت الثالثة دور
الأم ، و عددٌ أكبر من الممثلين لعبوا دور عشيق يوريدس في بناءٍ مربك
أصر رينييه على جعله كذلك و كأنما هو يغمر المشاهد أكثر فأكثر ضمن
العلاقة التي تجمع المتلقي بالعمل المسرحي ، محولاً عمله إلى ما يشبه مسرحيةً داخل
مسرحيةٍ داخل مسرحية .
و بالرغم من النقد الذي وجّه للفيلم من هذا المنظور تحديداً خصوصاً و
أنه افقد مشاهديه إلى حدٍ ما الإهتمام بشخصيات العمل ، إلا أن المدافعين عنه رأوا
فيه ما هو أعمق من ذلك ، نظرة تأمل جميلة في الفن و العلاقة المتشكلة و المحفورة
بين الممثل و خشبة المسرح من رجلٍ قضى ستة عقودٍ في صناعة السينما ، ربما هو سبب
كافٍ بمفرده لجعل عمل رينييه الأحدث مهماً في كان .
بالمقابل فإن مشاهدة مخرجٍ بقامة الإيراني عباس كياروستامي يخرج
فيلمه الأول باللغة اليابانية تبدو متعةً بحد ذاتها ، خصوصاً و أن تجربته الأولى
بعيداً عن اللغة الفارسية Certified Copy حظيت
بالإهتمام الكافي عند عرضها في كان قبل عامين ، و كما يبدو فإن عمله الجديد Like Someone in Love لن يكون
بعيداً عن سابقه .
يستمر كياروستامي في فيلمه الجديد في طرق أبواب الحب ، بكل تعقيداته
و أطواره و تفاهته أيضاً ، ضمن عوالم الرغبة و التظاهر و الأحاسيس غير المفهومة ،
تماماً كما فعل في Certified Copy ، في فيلمه الجديد يتناول
كياروستامي قصة بروفسور علم الإجتماع العجوز الذي يدعو فتاةً
شابةً إلى منزله بعدما دفع لها مقابل ليلةٍ معه ، هذه الليلة لا يرغب فيها الرجل
أن يدعوها إلى فراشه ، فقط كأس من النبيذ ثم الخلود إلى النوم ، صباحاً يوصلها إلى
مدرستها ، يلتقي بخطيبها و يبدأ نوعاً من التظاهر بأنه جدها و ليس الرجل الذي
استأجرها لقضاء الليلة الماضية معه !
في الفيلم كما رءآه بعض من حضروا عرضه نوعٌ من العلاقات التي
لطالما أجاد كياروستامي بنائها ، حيث تتعقد الروابط بين الشخصيات و تبنى
ضمن صراعٍ باطني بين الرغبة و التظاهر ، حيث يغمر المشاهد في تساؤلاته عن رغبات
البروفسور العجوز و نمط المشاعر التي يحملها لتلك الشابة التي فتنته ، هل هي مشاعر
أبوة ، أم شهوة منحرفة ، أم هو نوعٌ من السلوك الإجتماعي الغريب الذي لا نجد له
تفسيراً بينما يراه بروفسور علم الإجتماع من منظور مختلف ، يبقي كياروستامي
مشاهد أسيراً لكل تلك الأسئلة ، نحاول فهمها بطريقتنا الخاصة ، و نحاول الوصول
معها إلى حالة الرضا التي تناسبنا .
أجمل ما في مهرجان كان أن تشاهد جديد آلن رينيه و عباس كياروستامي
في يومٍ واحد .
0 تعليقات:
إرسال تعليق