أطلق مهرجان كان السينمائي الدولي يوم الأربعاء فعاليات دورته الخامسة و الستين ، و تقاطرت الأفواج من كل حدبٍ و صوب لتدشين إفتتاح أشهر المهرجانات السينمائية في العالم و أكثرها إستقطاباً للإهتمام كل عام من خلال باكورة العروض في المسابقة الرسمية ، الفيلم الجديد للمخرج الأميركي الممدوح ويس أندرسن Moonrise Kingdom ، و الذي قوبل بالكثير من الضحك و التصفيق معلناً ربما عن برنامجٍ حافلٍ ستحظى به المدينة الساحلية الوادعة خلال الأسبوعين المقبلين .
و يمثّل الفيلم سبراً على طريقة ويس أندرسن الفريدة للطفولة و الحب الوليد في أجواء من عبق الكوميديا الساحرة التي إعتاد أن يقدمها الرجل خلال أعماله السينمائية السابقة ، و يحكي الفيلم قصة سام و سوزي اللذين يعيشان بداية فترة المراهقة و يقعان في الحب في بلدتهما الصغيرة الهادئة على سواحل نيو إنغلاند عام 1965 ، يهربان سويّة و يعيشان حياتهما العاطفية الصافية النقية بعيداً عن كل تعقيدات البلدة ، لكن والدا سوزي يحشدان جهود البلدة بقيادة الكابتن شارب شريف البلدة لإستعادة إبنتهما الهاربة ، و يقوم ببطولة العمل بروس ويليس و تيلدا سوينتن و إدوارد نورتن و فرانسيس مكدورماند و بيل ميري ، و هو العمل السينمائي الأول لأندرسن الذي يجد فرصةً للعرض في مسابقة مهرجان كان الرسمية التي يدير لجنة تحكيمها هذا العام المخرج الإيطالي ناني موريتي .
و قوبل الفيلم بإرتياحٍ نقديٍ واضح من النقاد القلائل الذين حضروا حفل الإفتتاح بالنظر للحشد الصحفي الكبير الذي غصت به قاعة العروض ، و رأى فيه النقاد ما هو أعمق من التناول االمفترض للعواطف التي تحكم هذه المرحلة العمرية التي يعيشها سام و سوزي إلى نظرةٍ أعمق في نقاوة الروح التي تجتاحنا في بواكير كل شيء ، حيث اللهفة و الرغبة و الإنبهار ، قبل أن تقوم الحياة من حولنا بتدمير كل شيءٍ جميلٍ في ذلك ، خصوصاً و أن كل هذا تم وضعه ضمن القالب البصري و القصصي البديع الذي لطالما عودنا عليه الأميركي الشاب الذي يعتبره الأسطوري مارتن سكورسيزي أفضل أبناء جيله .
خارج صالة العرض كان الممثل البريطاني الشهير ساشا بارون كوهن محطّ أنظار الكاميرات التي تهافتت لإلتقاط صورةٍ له على ظهر الجمل الذي سار به على الكروازيت تدشيناً للعرض المرتقب لفيلم الممثل الكوميدي الشهير The Dictator الذي يخرجه لاري تشارلز و يتناول فيه قصة الزعيم علاء الدين الديكتاتور الذي يحكم دولةً في شمال أفريقيا ضمن مفارقات كوميديةٍ صارخة .
ثاني أيام المهرجان شهد عرض الفيلم الجديد للمخرج الفرنسي المرموق جاك أوديار Rust and Bone الذي قوبل أيضاً بإستقبالٍ نقديٍ جيدٍ و إشادةٍ صريحة من الصحفيين الذين حضروا عرض الفيلم الذي يشارك ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان ، و رأوا فيه نظرةً عميقةً في الطرق التي توجّه بها بعض الأحداث المأساوية حياتنا و تضعها في الطريق الصحيح ، يكلله أداءٌ إخراجي ثقيل من المخرج الذي لطالما عوّد رواد كان على رؤية المميز و المختلف في كل مرة يسير فيها على الكروازيت .
و يحكي الفيلم قصة رجلٍ منفلتٍ يدعى آلن يرعى إبنه بالطريقة الوحيدة التي يجيدها : البحث عن الطعام فقط عندما يحتاجون إليه ، و سرقة كاميرا عندما يحتاجون لإلتقاط صورة ، و البحث عن عملٍ مؤقت عندما يحتاجون للمال ، كل ما في حياة آلن منفلت و كل أعماله مؤقتة و وليدة اللحظة و الحاجة بينما تبقى والدة إبنه خارج إطار الصورة تماماً ، في هذا الجو ينشأ الفتى ذو الخمسة أعوام معتمداً و واثقاً بكل ما يقوم به والده ، فجأةَ تظهر في الصورة ستيفاني ( في أداءٍ ممدوح من ماريون كوتيار ) التي يلتقيها آلن ، ستيفاني مدربة حيتان الأوركا تعيش حياةً مضطربةَ من جراء حادثةٍ تعرضت لها أثناء أحد العروض الحية ، لكن الصورة لا تبدو كما هي لوهلة ، و تفاصيل العلاقة التي تجمع آلن بستيفاني ليست كما تبدو لنا بادئ الأمر ، قبل أن تبدأ هواجس المستقبل تلف المزيد من الغموض حول طبيعة علاقتها المتوقّعة ، كل منهما يراها بمنظوره ، و الأمان الذي تنشده إمرأة في مثل حالة ستيفاني قد لا يكون متوفراُ في رجلٍ بمثل مشاكل آلن التي لا تنتهي .
و رأت بعض الآراء في العمل صورةً فريدةً لجاك أوديار القاص أكثر من جاك أوديار المخرج ، خصوصاً و أن روح المخرج و الجرعة الإخراجية العالية التي يقدمها الرجل في أفلامه بدت أقل وهجاً أمام القصة المميزة التي يسردها علينا في عمله الجديد ، و مع ذلك لم يضع أحدٌ هذا الفيلم موضع مقارنةٍ حتى مع الجانب القصصي لتحفة أوديار A Prophet التي قدمت إلى المهرجان قبل 3 أعوام و نالت جائزة لجنة التحكيم الكبرى فيه ، بالنظر ربما للفرق الشاسع بين الثيمين العامين للفيلم .
و حظي الفيلم بتصفيقٍ طويلٍ حال إنتهاءه إزدادت وتيرته عند تقديم جاك أوديار ، و بينما تركّز جزء من المديح للأداء الفاتن الذي قدمته العطر الفرنسي ماريون كوتيار في شخصية ستيفاني و الذي ذهب البعض لإعتباره الأفضل منذ تتويجها بأوسكار أفضل ممثلة قبل خمسة أعوام ، إعتبر آخرون الثقل الحقيقي للفيلم كامناً في العمق القصصي له عندما يغوص في الأحلام المفقودة و الآمال التي عجزنا عن تحقيقها يوماً قبل أن نجد أنفسنا في مفترق طرق : إما أن نقاوم و نصمد أو تدهسنا عجلات الزمن .
0 تعليقات:
إرسال تعليق