بطولة : توم هاردي ، جويل إدغيرتن ، نيك
نولتي
إخراج : غيفن أوكونور
تومي ريوردان مجند المارينز سابقاً يعود إلى منزل والده باتي كولن
المدرب المخضرم الذي صنع منه معجزةً من معجزات الفنون القتالية قبل 14 عاماً ،
يعود تاركاً وراءه حقيقة البغض الذي يكنّه له عندما تخلّى عنه وعن والدته التي
عانت الأمرّين على يد زوجٍ كحولي مستهتر ، باتي كولن أقلع عن الكحول منذ ألف يوم ،
و هو سعيد برؤية إبنه بعد هذه السنوات ، لكن تومي عائد من أجل هدفٍ بعيدٍ تماماً
عن إعادة أواصر لُحمةٍ عائلية فُقدت منذ زمن ، تومي يبحث عن مدربٍ محنّكٍ يقوده في
أكبر بطولات الألعاب القتالية في الولايات المتحدة ، حيث خمسة ملايين دولار في
انتظار الفائز.
تومي لم يفقد والده فقط عندما ترك المنزل مع والدته التي توفيت لاحقاً
بالسرطان ، بل فقد كذلك شقيقه الأكبر براندون الذي لم يكن يعتقد حينها بأنه لن يرى
والدته و شقيقه بعد ذلك ، براندون - الذي كان مصارعاً محترفاً في الألعاب القتالية
- بقي مع والده حيث كان مفتوناً بفتاةٍ من الحي صارت زوجته و أم ابنتيه لاحقاً ،
لكنه لا يلبث بعد ذلك أن يترك والده الذي خسر كل شيء بسبب إدمانه على الكحول ، رحل
عن المنزل ليصبح رباً صالحاً لعائلة و مدرساً محبوباً لمادة الفيزياء في مدرسةٍ
ثانوية ، لكن ديونه المتراكمة ، و عملية القلب التي أجريت لإبنته ، جعلت الخمسة
ملايين دولار التي سيظفر بها بطل البطولة حلماً مغرياً لرجلٍ تعني له هذه اللعبة
الكثير .
هذا الفيلم ليس التجربة الإخراجية الأولى لغيفن كونور في الأفلام الرياضية ، فقد سبق وقدم
عملاً شهيراً عن رياضة الهوكي حمل إسم Miracle عام 2004 قام ببطولته كيرت راسل و لاقى نجاحاً مهماً ، و لا يبدو بأنه سيكون
التجربة الأخيرة في هذا المضمار حيث يعمل أوكونور حالياً على نص سيعيد تقديم رائعة بول نيومان الشهيرة The Hustler ، الرجل يبدو مفتوناً بهذه النوعية من الأعمال ، و من واقع
مشاهدتي لفيلميه أرى بأن غيفن
كونور لا يكتفي بإثبات
أنه يجيد التعامل مع نوعية أعمالٍ كهذه ، بل أنه إستطاع أن يطوّر كثيراً من أدائه
الإخراجي فجاء عمله الرياضي الثاني براقاً و معمولاً أكثر من سابقه.
غيفن كونور في
فيلمه الجديد يتفوق إخراجياً و بشكلٍ ملفت على النص الذي كتبه رفقة أنتوني تامباكيس و كليف دورفمان ، و الذي لا يحاول أن يعطي مشاهده في الكثير
من تفاصيله الإحساس بأنه مختلفٌ عن مثل هذه النوعية من الأعمال ، بدءاً من محاولة
التأسيس للشخصيات في الفيلم ، مروراً بكم الكليشيهات المتناثرة هنا و هناك و النسج
الميلودرامي التدريجي فيما يتعلق بشخصية الأب و الذي يكاد يبلغ حدا الإستبكائية
أحياناً ، وصولاً إلى خاتمةٍ ساذجة تحاول مخاطبة العاطفة في المشاهد – على الرغم
من أنه تعاطف بما فيه الكفاية - حتى على حساب منطقية تطور الأحداث الذي إفترضته ، غيفن كونور المخرج ينجو إلى حدٍ ما من هذه المطبات
الواضحة في النص ، منذ لحظات الفيلم الأولى يبدو الرجل و كأنما ألقى بثقلٍ كبير
على جزئيتين تمنحان الفيلم قوته الحقيقية : الجزئية الأولى هي الحيوية المفرطة
التي يضخها في تطور أحداث السيناريو إلى درجةٍ تجعل من الصعوبة معها فقد التركيز
أو الإهتمام بشخصيات العمل ، من خلال توظيف ممتاز لكافة الأدوات الإخراجية
الموجودة ، على الأخص تصوير ماسانوبو
تاكاياناغي و مونتاج الرائع
مات تشيس الذي يؤدي
مفعول السحر خصوصاً على حلبة النزال ، هناك متعة حقيقية في مشاهدة هذا العمل
قياساً لأعمالٍ كثيرةٍ مشابهة ، كونور
يتمكن من صناعة شخصيات جذابة فعلاً للمتلقي ، فيستمتع و هو يشاهدها ، و يحاول أن
يفهمها ، و يكون أقرب إليها ، على الرغم من التقليدية في تطور الحدث ، و التي تجعل
من الصعب على المشاهد أحياناً تجاوز بعض الكليشيهات هنا و هناك ، أو القفز أحياناً
على المشهدية الميلودرامية الواضحة في تأسيس شخصية الأب التي بذل كونور جهداً ملموساً في
تجميلها و تجاوز إستبكائيتها على الرغم من إخفاق النص في رسم ملامحها بشكلٍ حقيقي
، تومي مثلاً يعود إلى والدٍ يبغضه أكثر من أي شيء في العالم ، يكسر نفسه و يعود
إليه كي يدربه ، لكن النص لا يجهد نفسه ولو قليلاً في إعطائنا المبرر الكافي لهذه
العودة ، إعطائنا الإحساس الحقيقي الذي يقنعنا بأن هذا المدرب مختلف ، و أن هذا
الرجل الذي لجأ اليه تومي رغم إحتقاره له يمتلك ما يمكن أن يجعل عودة تومي منطقية
، شخصية باتي كولن كمدربٍ قديم في هذا النص فعلت كل شيءٍ للأسف إلا التدريب بل أن
تومي يخوض مباراتين من دونها ، و هي ثغرة تضرب في صميم بنية الأحداث ، فتبدو عودة تومي
مجبراً لوالده غير مقنعةٍ بالمرة لمن يتأملها.
مع ذلك يجيد كونور
فن صناعة التعاطف تجاه شخصياته ، و هو هنا يفعلها بشكلٍ مزدوج و يبذل جهداً
مضاعفاً كي ينجح فيها ، هذا الفيلم من الأفلام القليلة التي يمكن أن تشاهدها في
الصنف التي استطاعت أن تخلق نصيرين للمشاهد في الفيلم ، يتمنى أن ينتصر كلاهما ،
يتمنى ألا يخسر أحدهما ، أو على أضعف تقدير يحيّد مشاعره تجاههما .
الجزئية الثانية التي حافظت لكونور على ألق الفيلم و جاذبيته بعيداً عن ثغرات النص هي الجاذبية
الواضحة التي يخدم بها أداء توم
هاردي و جويل إدغيرتن و نيك نولتي
شخصيات العمل ، توم هاردي قنبلة موقوتة في دور تومي ريوردان ، أشبه بثورٍ هائج في قفص ، تحوله الإنفجاري
بمجرد صعوده إلى الحلبة حتى يغادرها مدروسٌ بعناية تجعل هذا البريطاني الشاب روح
هذا العمل بالرغم من كل ما تشاهد ، تتعاطف معه حتى عندما تراه مزعجاً للآخرين ،
يحمل على عاتقه إيصال الإحساس بغضب السنين الذي لم يتمادى النص في محاولة إيصاله
لنا ، و على الجانب الآخر يبدو الأسترالي جويل إدغيرتن
موجوداً و حياً على الرغم من خفوت بريقه أمام الهالة التي يصنعها توم هاردي حول شخصيته ، كما أن المسيرة
المخضرمة لنيك نولتي تأبى إلا أن تجعله يصنع
من دوره المؤطر عملاً مهماً و ملفتاً ، شخصياً أحب مشاهدة نيك نولتي في أدوارٍ كهذه بعيداً عن تلك الشخصيات الإعتيادية التي لعبها
على مدى عقدٍ مضى .
على الرغم من أنه يبدو مولعاً بالأفلام الرياضية إلا أن غيفن كونور يصنعها بطريقةٍ لا يمكنك أن تمقتها أو تنتقصها
و هذا هو أهم ما ستخرج به بعد مشاهدتك Warrior ، ساعتان من التعاطف و الإهتمام الذي لم نعد
نشاهده كثيراً على هذا النحو في مثل هذه النوعية من الأعمال و هي جزئية لا يمكن
تجاهلها أثناء تقييم العمل ، و مع نصوصٍ أفضل سيكون غيفن كونور مخرجاً مهماً بالفعل .
التقييم من 10 : 7
0 تعليقات:
إرسال تعليق