كتب : عماد العذري
بطولة : ليوناردو ديكابريو , ماريون كوتيار , إلين بيج , جوزيف غوردون ليفيت , كين واتانابي , كيليان ميرفي , توم هاردي , مايكل كاين
إخراج : كريستوفر نولان
غبت عن صالات السينما لفترة , و كنت أبحث عن فيلمٍ مستفز يجعلني أعود إليها مجدداً , و غبت عن كتابة المراجعات لفترةٍ أيضاً , و بالتأكيد لم أجد ضمن مشاهداتي خلال الفترة الماضية ما يستفزني للكتابة عنه , و طوال تلك الفترة كنت على ثقة بأن كريستوفر نولان قادرٌ على أن يجعلني أفعل ذلك , و أن يجعل الذهاب إلى صالات السينما ممتعاً من جديد بالنسبة لي , و أن يجعل الجلوس أمام شاشة الكومبيوتر لساعةٍ من الزمن من أجل كتابة مراجعةٍ عن فيلمٍ ما أمراً مشوقاً و تحدياً محبباً إلى النفس , و في قائمتي التي أصدرتها لأفضل 100 فيلمٍ قدمها العقد الماضي وجدت نفسي منحازاً لثلاثةٍ من أفلام نولان الستة وضعتها في تلك القائمة ضمن نخبة إنجازات ذلك العقد , و خلال بضعة أشهرٍ فقط لا أرى نفسي بعيداً عن وضع فيلمه السابع في قائمةٍ مئويةٍ لعقدٍ جديد .
بالنسبة لي – و للكثيرين غيري – كان هذا الفيلم أكثر أفلام 2010 إنتظاراً دون منازع , و قائمتي التي تمنّيت لو سنح لي وقتي بنشرها عن أكثر أفلام عام 2010 إنتظاراً كانت ستتوّج هذا الفيلم على عرشها لأسبابٍ عدة , أهمها هو ذلك الشعور الذي تملّكني بمجرد أن أعلن البريطاني الشاب عن ملامح غزوته السابعة , الملامح التي بقيت غامضةً حتى وقتٍ قريبٍ جداً من إطلاق الفيلم , خصوصاً عندما وصف الرجل مشروعه المرتقب بعبارة ( أكشن في أجواء من الخيال العلمي ضمن هندسة العقل ) , العبارة التي لم تعد غامضةً لأحدٍ الآن بعد مشاهدة الفيلم , لأن الرجل – بكل بساطة - كان دقيقاً جداً في وصفه .
مخرج The Dark Knight و Memento يثير الإعجاب من جديد , لم أستطع أن أراوغ فكرة كم تبدو المغامرة بإنتاج عملٍ كهذا صعبةً و محفوفةً بالمخاطر , و لا أدري إلى أي مدى يمكن أن يذهب المنتجون في Warner Brothers في مساندة نصوص كريستوفر نولان مستقبلاً , خصوصاً بعد ضربة المليار دولار في The Dark Knight و إفتتاحية الـ 60 مليون دولار التي حققها Inception و فرضته واحداً من أكثر الأفلام الأصيلة نجاحاً على الإطلاق .
يحكي الفيلم قصة لصٍ فريدٍ من نوعه يدعى دوم كوب , نجوميته تتلخص في تقنيةٍ يجيدها أشخاصٌ محدودون على سطح الكوكب تدعى الإستخلاص أو Extraction , تعمل التقنية على إستخلاص المعلومة من ذهن صاحبها من خلال النفاذ إلى عالم أحلامه و الوصول إلى غياهب فكره , و العثور على تفاصيل يعجز أدهى قراصنة الكومبيوتر عن الوصول إليها , في هذا الفن دوم كوب هو الملك المتوج , لكن العائق الوحيد الذي يقف في وجهه حالياً هو ذكرى زوجته الراحلة التي تفسد عليه آخر عملياته , و تضطره لعقد صفقةٍ مجنونة مع مليارديرٍ ياباني لتنفيذ التقنية المعكوسة التي يقر جميع عباقرة الإستخلاص بإستحالة تنفيذها , الإستهلال أو Inception , تقنيةٌ لا يكون الغرض منها الحصول على فكرةٍ من ذهن الخصم , بل زرع واحدةٍ فيه .
باكراً جداً و بعد مقدمته البعيدة في الشواطيء اليابانية يشعرنا كريستوفر نولان بأننا لسنا أمام فيلمٍ تقليدي , حتى بمفهوم التقليدية لدى نولان ذاته , فيعمد إلى تشويشنا من خلال تداخل مجموعةٍ من الأحلام دفعةً واحدة في سبيل عرض التقنية التي يبرع بطله فيها , و ينجح إلى حدٍ بعيد في ذلك , و عندما يصل المشاهد في هذه المرحلة إلى حافة التيه , يخفض نولان من وتيرة التشويش ليلقي بالثقل الأكبر في التأسيس على أسلوب سردٍ تقليدي مليءٍ بالكثير من الكليشات الهوليوودية العتيقة , أمرٌ نلمسه في الطريقة التي تعرض فيها الصفقة بين سايتو و كوب و في الطريقة التي يقبل بها كوب العرض , قبل أن تتدفق الكليشات كشلالٍ لا يهدأ و نحن نراقب الكيفية التي يجمع بها دوم كوب رجاله من بقاعٍ مختلفة و طريقة الأكشن المنفجر التي يلجأ إليها نولان من حينٍ لآخر , ثم اللجوء لأساليب ( مسبق الصنع ) البالية و الشخصيات التي تدرك كل شي و تعلم كل شي و تتدخل في الوقت المناسب , و هي جزئياتٌ نغّصت علي الإستمتاع بالفيلم بشدة في مرحلة التأسيس و ما لبثت أن تصالحت معها قبل أن أدرك مع تقدم الأحداث بأن كريستوفر نولان لجأ إليها عامداً تجنباً للمط في جزءٍ من السيناريو لن يكون المحور الأساسي للنص أو الهدف الأساسي للغنى الذي يقدمه , و بدون اللجوء إليها كان يمكن للفيلم أن يتحول لسلسلةٍ تلفيزيونية قصيرة لو أراد الحفاظ على تماسكه كما هو .
لاحقاً يعيد كريستوفر نولان بعض التوازن لنصه من خلال إستغلاله جهل شخصية المهندسة أريادني بما يحدث من حولها في رسم صورةٍ أكثر وضوحاً لمشاهده تجاه ما يحدث , و هو أسلوبٌ و إن إعتمد على المباشرة إلا أنه لم يفقد العمل بريقه و جاذبيته خلال هذه المرحلة ربما بسبب المتعة البصرية التي يخلقها نولان أثناء تجوال كوب و أريادني في أحلامهما المشتركة , و على الرغم من أن حبكة الفيلم تفترض كثيراً لجوء النص للشرح على لسان شخصياته , إلا أنه يفعل ذلك بطريقةٍ أقل إملالاً و إن كانت غايةً في التقليدية , مستغلاً الجانب البصري و الصوتي للعمل لجعل الأمر يبدو مشوقاً أكثر مما هو عليه , و هي جزئيةٌ ما كانت لتتحقق لولا النضج الكبير الذي وصل إليه مدير التصوير وولي بفيستر في التعامل مع رؤية نولان البصرية , و الفخامة التي قدم بها هانس زيمر مقطوعاته الموسيقية التي تتطور و تتقدم بتطور الأحداث و تقدمها .
ما أن تنتهي المرحلة التأسيسية للفيلم و التي نستوعب بختامها أبعاد ما يحدث أمامنا و الهدف مما نشاهد , حتى يعمد كريستوفر نولان إلى الغوص في الأبعاد الأعمق لقصته دون تلقين من خلال تقديمه السلس لماضي بطله دوم كوب , و علاقته المبهمة مع زوجته الراحلة , و التدخّلات المتكررة لها في عوالم أحلامه الأمر الذي دفعه لاحقاً لتجنب تصميم هندسة أحلامه بنفسه , بل و حتى حرمان نفسه من إلقاء نظرةٍ خاطفةٍ على هندسة الحلم الذي يود الغوص فيه , بطلنا دوم كوب له ماضٍ , جزئيةٌ لن نستطيع تجاوزها في الثلث الأول من الفيلم , و هي جزئية تضرب في عمق القصة و تجعل من دوم كوب الشخصية الوحيدة المبنية في الفيلم , نبقى طوال مدة الفيلم بعيدين عن جميع الشخصيات الأخرى , لا نعرف عنها إلا ما تستلزمه هذه المهمة المستحيلة منها , و ليوناردو ديكابريو بعد أداءه الملفت هذا العام لرجل يطارده ماضيه مع زوجته الراحلة في فيلم مارتن سكورسيزي التائه Shutter Island يذكرني بما فعلته الرائعة جوليان مور عام 2002 عندما قدمت أداءين للذكرى عن شخصيتين تمتلكان الملامح ذاتها في The Hours و Far From Heaven , يتمكن مجدداً من الإرتقاء بشخصيةٍ أقل حدةً و إنفعالية في ردود فعلها إلى المستوى الذي تحتاجه تماماً , و كريستوفر نولان بالمقابل يرينا بأنه لا يحتاج في نصه هذا لأكثر من شخصيةٍ واحدةٍ فقط ليصل إلى عمق العمل , فيصنعها بشكلٍ جيدٍ , و يوظفها بشكل أكثر جودة بفعل أدائين ممتازين من طرفي العلاقة الرئيسيين .
في الإطار العام يتبنى كريستوفر نولان رؤيةً جديدةً لعالم الأحلام , مختلفةً عن تلك التي شاهدناها لدى لويس بونويل و ديفيد لينش , رؤيةٌ مطعّمةٌ بالكثير من كريستوفر نولان , بالكثير من إثارته و سرعة إيقاعه و ولعه بالأكشن , و إن كانت لا تختلف عن سابقاتها في غوصها العميق في آلية الحلم , حيث يحاول نقل حالة الأحلام المشتركة التي تجمع شخصياته إلى مشاهديه أيضاً الذين يشاركون الشخصيات أحلامها و يتفاعلون معها بطريقةٍ تبعث على الدهشة , و في ذروة الفيلم يمكن بسهولةٍ ملاحظة كيف تمكن نولان من فصل المستويات الأربعة للحلم ببراعةٍ يحسد عليها جعل مشاهده يشعر بالحاجز الفاصل بين كل مستوى و مستوى على الرغم من غياب الشكل المادي له , فيشعر في داخله – دون أن يبدو ذلك صارخاً - بأن الصيدلاني يوسف في المستوى الأول يعيش في واقعٍ مختلفٍ عن ذلك الذي يعيشه آرثر في المستوى الثاني أو أيمز في الثالث أو دوم كوب في الرابع , متاهة نولان في عالم الأحلام تؤتي ثمارها بحق و تنجح في الوصول إلى ما تريد كغلافٍ خارجي صلب للمضمون البسيط الذي يريد نولان إيصالنا إليه .
مضمون العمل يتلخص في كلمةٍ واحدة , ( الفكرة ) , يتناولها نولان بذكاءٍ يستحق الإحترام و يحاول رسم ملامحها في عصرٍ بلغت فيه أكثر حقبها قوةً و تأثيراً على الإطلاق , نولان في هذا الفيلم يتطرق لقوة الفكرة و للعمق الذي يمكن أن تصل إليه , و للأثر الذي يمكن أن نحصل عليه من جراء زرع فكرةٍ في الغور الأعمق من العقل البشري , يبدو و كأنما يبعث بإشارةٍ واضحةٍ لكم الأفكار المؤثرة , و النافذة , و القاتلة التي ضربت في صميم المجتمعات البشرية خلال الأعوام القليلة الماضية , يرينا نولان من خلال هذا النص كيف يمكن لزرع فكرةٍ بسيطة في عقل شخصٍ ما , أن يكون أمراً مؤثراً على كل الأحداث التي يمكن أن تحيط به لاحقاً , و كيف يستحق أمرٌ كهذا أن ينفق من أجله الملايين و الملايين , و أن يتم التخطيط له , و أن تتم برمجته و السعي من أجل الحصول عليه , و كأنما يقول بأن تطور المجتمعات الإنسانية خلال القرن الحادي و العشرين سيكون مرتبطاً بمجموعةٍ من الـ Inceptions تم إستخدامها من قبل مجموعةً من أكثر الوسائل تأثيراً و نفوذاً اليوم في عصر العولمة و ثورة المعلوماتية .
في سبيل خلق عمق حقيقي لهذا المضمون يعمد النص لرسم محورين , الأول هو مغامرةٌ غير تقليديةٍ بالمرة , يعمل من خلالها دوم كوب و فريقه على زرع فكرةٍ بسيطةٍ في عقل خصمهم من خلال رحلةٍ إستثنائية في العمق الثالث من عالم الأحلام , و الثاني إبقاء الوتر العاطفي للعلاقة المبهمة بين دوم كوب و زوجته الراحلة ( تؤديها الأوسكارية الفرنسية ماريون كوتيار في أفضل أداءات الفيلم ) مشتعلاً طوال أحداث المغامرة , محوران يستندان للجوهر ذاته ( التأثير البالغ الذي يمكن أن تحدثه مستقبلاً فكرةٌ بسيطة في عقل روبرت فيشر , أو أحدثته سابقاً فكرةٌ بسيطةٌ أخرى في عقل الزوجة الراحلة ) ثم توحيد المحورين بطريقةٍ تخدم عمق النص , و ترينا صورةً ختامية لحجم التأثير الذي يمكن أن تبلغه الفكرة عندما تجد من يزرعها بشكلٍ جيد .
وسط كل هذا لا يمكن للمتابع الحقيقي أن يتجاوز إصرار نولان على رش بعض البهارات السينمائية هنا و هناك , و مهما حيّد المرء ذاكرته السينمائية فلن يستطيع القفز بها و مراوغة أفلامٍ كثيرةٍ يبدو تأثر الفيلم بها واضحاً , بدءاً من أفلام جيمس بوند و Mulholland Drive و Ocean’s Eleven و Adaptation و The Matrix وصولاً إلى Dark City و Eternal Sunshine of The Spotless Mind و Shutter Island مروراً بـ Citizen Kane الذي يحييه نولان على طريقته من خلال مروحةٍ ورقيةٍ تحمل مذاق روزبد !!
و على الرغم كل هذه البهارات إلا أن الفيلم يستمد قوته الحقيقية من أصالته , يبدو و كأنما هو زيٌ غايةٌ في الحداثة و الأناقة مصنوعٌ من قطعٍ رثةٍ و مستهلكة , نراها و نستبينها بوضوح لكننا لا نستطيع إنكار أناقة النتيجة الختامية , جمال العمل الحقيقي يكمن في أنه يضع لنفسه قبل كل شيء صورةً واضحة و هدفاً بيّناً و يحدد لنفسه طريقة الوصول إليه , ثم يستخدم طرقاً تقليدية في كثيرٍ من الأحيان من أجل الوصول إليه , لا يهتم كثيراً بكيفية حدوث الحدث , بل يتأمل فقط في نتائج حدوثه , لنا بسهولةٍ أن نستبين أن جميع مشاهد المطاردات في الفيلم غير جذابةٍ و تبدو بلا روح , و هو أمرٌ قد يستهجنه البعض خصوصاً مع رجلٍ صنع في يومٍ من الأيام فيلماً يدعى The Dark Knight , لكن كريستوفر نولان يخبرنا بشكلٍ واضحٍ جداً بأنه لا يهتم بالكيفية , لأنه أخذنا أساساً في رحلةٍ ضمن حلمٍ يفترض هو ذاته منذ البداية إحتمالية حدوث أحداثٍ غريبةٍ فيه , لكنه عندما يتعلق الأمر بالعمود الفقري للإثارة في فيلمه يعلن لنا بشكل واضح أيضاً بأنه سيرينا شيئاً لم نشاهده من قبل , و المتوالية التي تضرب الشاشة لنصف ساعةٍ كاملة بين سقوط السيارة و إرتطامها بالماء في البعد الأول من الحلم هي واحدة من أجمل المتواليات السينمائية التي شهدها عام 2010 , و أحد أجملها على الإطلاق .
و مع أن نولان يحاول إثارتنا في بداية فيلمه من خلال لقاء دوم كوب و سايتو , و لا ينجح كثيراً بسبب جهلنا بالشخصيتين , إلا أن قيمة هذا اللقاء تبدو كبيرةً مع وصولنا إلى الذروة , عندما نفقد أهتمامنا بكيفية تطور الأحداث و ينصب إهتمامنا على النتائج التي تولّدت عما حدث , و كيف وصل الحال بدوم كوب لما وصل إليه مطلع الفيلم , أمرٌ ذكرني تماماً بما فعله الرجل في Memento , يومها جعل كريستوفر نولان مشاهديه يتشبثون بأماكنهم و هو يعود بهم إلى الوراء ليعرفوا كيف حدث ما حدث , نولان مرةً أخرى و على العكس من ذلك يجعل مشاهديه يتشبثون بأماكنهم و هو ينطلق بهم نحو الأمام لمعرفة كيف وصل بطله إلى ما وصل إليه .
في الختام يمكنني أن أقول بأن Inception هو تجربةٌ تستحق أن تُخاض , و فيلمٌ يستحق أن يُشاهد , واحدٌ من تلك النوعية النادرة من الأعمال التي تعتقد بأنك شاهدت كل جزء منها فيما مضى , لكنك تشاهد الصورة الكاملة الآن .. و للمرة الأولى , أولئك الذين إعتقدوا بأن نوعية أعمالٍ بمثل هذا التعقيد يصعب أن يتقبلها المشاهد العادي سيصدمون جداً بهذه النتيجة , و أولئك الذين إعتقدوا بأن الفيلم السابع في مسيرة كريستوفر نولان سيكون مجرد إستراحةٍ مؤقتة بين فيلمين من أفلام سلسلة باتمان .. سيخيب أملهم .. بشدة !
التقييم من 10 : 9
بطولة : ليوناردو ديكابريو , ماريون كوتيار , إلين بيج , جوزيف غوردون ليفيت , كين واتانابي , كيليان ميرفي , توم هاردي , مايكل كاين
إخراج : كريستوفر نولان
غبت عن صالات السينما لفترة , و كنت أبحث عن فيلمٍ مستفز يجعلني أعود إليها مجدداً , و غبت عن كتابة المراجعات لفترةٍ أيضاً , و بالتأكيد لم أجد ضمن مشاهداتي خلال الفترة الماضية ما يستفزني للكتابة عنه , و طوال تلك الفترة كنت على ثقة بأن كريستوفر نولان قادرٌ على أن يجعلني أفعل ذلك , و أن يجعل الذهاب إلى صالات السينما ممتعاً من جديد بالنسبة لي , و أن يجعل الجلوس أمام شاشة الكومبيوتر لساعةٍ من الزمن من أجل كتابة مراجعةٍ عن فيلمٍ ما أمراً مشوقاً و تحدياً محبباً إلى النفس , و في قائمتي التي أصدرتها لأفضل 100 فيلمٍ قدمها العقد الماضي وجدت نفسي منحازاً لثلاثةٍ من أفلام نولان الستة وضعتها في تلك القائمة ضمن نخبة إنجازات ذلك العقد , و خلال بضعة أشهرٍ فقط لا أرى نفسي بعيداً عن وضع فيلمه السابع في قائمةٍ مئويةٍ لعقدٍ جديد .
بالنسبة لي – و للكثيرين غيري – كان هذا الفيلم أكثر أفلام 2010 إنتظاراً دون منازع , و قائمتي التي تمنّيت لو سنح لي وقتي بنشرها عن أكثر أفلام عام 2010 إنتظاراً كانت ستتوّج هذا الفيلم على عرشها لأسبابٍ عدة , أهمها هو ذلك الشعور الذي تملّكني بمجرد أن أعلن البريطاني الشاب عن ملامح غزوته السابعة , الملامح التي بقيت غامضةً حتى وقتٍ قريبٍ جداً من إطلاق الفيلم , خصوصاً عندما وصف الرجل مشروعه المرتقب بعبارة ( أكشن في أجواء من الخيال العلمي ضمن هندسة العقل ) , العبارة التي لم تعد غامضةً لأحدٍ الآن بعد مشاهدة الفيلم , لأن الرجل – بكل بساطة - كان دقيقاً جداً في وصفه .
مخرج The Dark Knight و Memento يثير الإعجاب من جديد , لم أستطع أن أراوغ فكرة كم تبدو المغامرة بإنتاج عملٍ كهذا صعبةً و محفوفةً بالمخاطر , و لا أدري إلى أي مدى يمكن أن يذهب المنتجون في Warner Brothers في مساندة نصوص كريستوفر نولان مستقبلاً , خصوصاً بعد ضربة المليار دولار في The Dark Knight و إفتتاحية الـ 60 مليون دولار التي حققها Inception و فرضته واحداً من أكثر الأفلام الأصيلة نجاحاً على الإطلاق .
يحكي الفيلم قصة لصٍ فريدٍ من نوعه يدعى دوم كوب , نجوميته تتلخص في تقنيةٍ يجيدها أشخاصٌ محدودون على سطح الكوكب تدعى الإستخلاص أو Extraction , تعمل التقنية على إستخلاص المعلومة من ذهن صاحبها من خلال النفاذ إلى عالم أحلامه و الوصول إلى غياهب فكره , و العثور على تفاصيل يعجز أدهى قراصنة الكومبيوتر عن الوصول إليها , في هذا الفن دوم كوب هو الملك المتوج , لكن العائق الوحيد الذي يقف في وجهه حالياً هو ذكرى زوجته الراحلة التي تفسد عليه آخر عملياته , و تضطره لعقد صفقةٍ مجنونة مع مليارديرٍ ياباني لتنفيذ التقنية المعكوسة التي يقر جميع عباقرة الإستخلاص بإستحالة تنفيذها , الإستهلال أو Inception , تقنيةٌ لا يكون الغرض منها الحصول على فكرةٍ من ذهن الخصم , بل زرع واحدةٍ فيه .
باكراً جداً و بعد مقدمته البعيدة في الشواطيء اليابانية يشعرنا كريستوفر نولان بأننا لسنا أمام فيلمٍ تقليدي , حتى بمفهوم التقليدية لدى نولان ذاته , فيعمد إلى تشويشنا من خلال تداخل مجموعةٍ من الأحلام دفعةً واحدة في سبيل عرض التقنية التي يبرع بطله فيها , و ينجح إلى حدٍ بعيد في ذلك , و عندما يصل المشاهد في هذه المرحلة إلى حافة التيه , يخفض نولان من وتيرة التشويش ليلقي بالثقل الأكبر في التأسيس على أسلوب سردٍ تقليدي مليءٍ بالكثير من الكليشات الهوليوودية العتيقة , أمرٌ نلمسه في الطريقة التي تعرض فيها الصفقة بين سايتو و كوب و في الطريقة التي يقبل بها كوب العرض , قبل أن تتدفق الكليشات كشلالٍ لا يهدأ و نحن نراقب الكيفية التي يجمع بها دوم كوب رجاله من بقاعٍ مختلفة و طريقة الأكشن المنفجر التي يلجأ إليها نولان من حينٍ لآخر , ثم اللجوء لأساليب ( مسبق الصنع ) البالية و الشخصيات التي تدرك كل شي و تعلم كل شي و تتدخل في الوقت المناسب , و هي جزئياتٌ نغّصت علي الإستمتاع بالفيلم بشدة في مرحلة التأسيس و ما لبثت أن تصالحت معها قبل أن أدرك مع تقدم الأحداث بأن كريستوفر نولان لجأ إليها عامداً تجنباً للمط في جزءٍ من السيناريو لن يكون المحور الأساسي للنص أو الهدف الأساسي للغنى الذي يقدمه , و بدون اللجوء إليها كان يمكن للفيلم أن يتحول لسلسلةٍ تلفيزيونية قصيرة لو أراد الحفاظ على تماسكه كما هو .
لاحقاً يعيد كريستوفر نولان بعض التوازن لنصه من خلال إستغلاله جهل شخصية المهندسة أريادني بما يحدث من حولها في رسم صورةٍ أكثر وضوحاً لمشاهده تجاه ما يحدث , و هو أسلوبٌ و إن إعتمد على المباشرة إلا أنه لم يفقد العمل بريقه و جاذبيته خلال هذه المرحلة ربما بسبب المتعة البصرية التي يخلقها نولان أثناء تجوال كوب و أريادني في أحلامهما المشتركة , و على الرغم من أن حبكة الفيلم تفترض كثيراً لجوء النص للشرح على لسان شخصياته , إلا أنه يفعل ذلك بطريقةٍ أقل إملالاً و إن كانت غايةً في التقليدية , مستغلاً الجانب البصري و الصوتي للعمل لجعل الأمر يبدو مشوقاً أكثر مما هو عليه , و هي جزئيةٌ ما كانت لتتحقق لولا النضج الكبير الذي وصل إليه مدير التصوير وولي بفيستر في التعامل مع رؤية نولان البصرية , و الفخامة التي قدم بها هانس زيمر مقطوعاته الموسيقية التي تتطور و تتقدم بتطور الأحداث و تقدمها .
ما أن تنتهي المرحلة التأسيسية للفيلم و التي نستوعب بختامها أبعاد ما يحدث أمامنا و الهدف مما نشاهد , حتى يعمد كريستوفر نولان إلى الغوص في الأبعاد الأعمق لقصته دون تلقين من خلال تقديمه السلس لماضي بطله دوم كوب , و علاقته المبهمة مع زوجته الراحلة , و التدخّلات المتكررة لها في عوالم أحلامه الأمر الذي دفعه لاحقاً لتجنب تصميم هندسة أحلامه بنفسه , بل و حتى حرمان نفسه من إلقاء نظرةٍ خاطفةٍ على هندسة الحلم الذي يود الغوص فيه , بطلنا دوم كوب له ماضٍ , جزئيةٌ لن نستطيع تجاوزها في الثلث الأول من الفيلم , و هي جزئية تضرب في عمق القصة و تجعل من دوم كوب الشخصية الوحيدة المبنية في الفيلم , نبقى طوال مدة الفيلم بعيدين عن جميع الشخصيات الأخرى , لا نعرف عنها إلا ما تستلزمه هذه المهمة المستحيلة منها , و ليوناردو ديكابريو بعد أداءه الملفت هذا العام لرجل يطارده ماضيه مع زوجته الراحلة في فيلم مارتن سكورسيزي التائه Shutter Island يذكرني بما فعلته الرائعة جوليان مور عام 2002 عندما قدمت أداءين للذكرى عن شخصيتين تمتلكان الملامح ذاتها في The Hours و Far From Heaven , يتمكن مجدداً من الإرتقاء بشخصيةٍ أقل حدةً و إنفعالية في ردود فعلها إلى المستوى الذي تحتاجه تماماً , و كريستوفر نولان بالمقابل يرينا بأنه لا يحتاج في نصه هذا لأكثر من شخصيةٍ واحدةٍ فقط ليصل إلى عمق العمل , فيصنعها بشكلٍ جيدٍ , و يوظفها بشكل أكثر جودة بفعل أدائين ممتازين من طرفي العلاقة الرئيسيين .
في الإطار العام يتبنى كريستوفر نولان رؤيةً جديدةً لعالم الأحلام , مختلفةً عن تلك التي شاهدناها لدى لويس بونويل و ديفيد لينش , رؤيةٌ مطعّمةٌ بالكثير من كريستوفر نولان , بالكثير من إثارته و سرعة إيقاعه و ولعه بالأكشن , و إن كانت لا تختلف عن سابقاتها في غوصها العميق في آلية الحلم , حيث يحاول نقل حالة الأحلام المشتركة التي تجمع شخصياته إلى مشاهديه أيضاً الذين يشاركون الشخصيات أحلامها و يتفاعلون معها بطريقةٍ تبعث على الدهشة , و في ذروة الفيلم يمكن بسهولةٍ ملاحظة كيف تمكن نولان من فصل المستويات الأربعة للحلم ببراعةٍ يحسد عليها جعل مشاهده يشعر بالحاجز الفاصل بين كل مستوى و مستوى على الرغم من غياب الشكل المادي له , فيشعر في داخله – دون أن يبدو ذلك صارخاً - بأن الصيدلاني يوسف في المستوى الأول يعيش في واقعٍ مختلفٍ عن ذلك الذي يعيشه آرثر في المستوى الثاني أو أيمز في الثالث أو دوم كوب في الرابع , متاهة نولان في عالم الأحلام تؤتي ثمارها بحق و تنجح في الوصول إلى ما تريد كغلافٍ خارجي صلب للمضمون البسيط الذي يريد نولان إيصالنا إليه .
مضمون العمل يتلخص في كلمةٍ واحدة , ( الفكرة ) , يتناولها نولان بذكاءٍ يستحق الإحترام و يحاول رسم ملامحها في عصرٍ بلغت فيه أكثر حقبها قوةً و تأثيراً على الإطلاق , نولان في هذا الفيلم يتطرق لقوة الفكرة و للعمق الذي يمكن أن تصل إليه , و للأثر الذي يمكن أن نحصل عليه من جراء زرع فكرةٍ في الغور الأعمق من العقل البشري , يبدو و كأنما يبعث بإشارةٍ واضحةٍ لكم الأفكار المؤثرة , و النافذة , و القاتلة التي ضربت في صميم المجتمعات البشرية خلال الأعوام القليلة الماضية , يرينا نولان من خلال هذا النص كيف يمكن لزرع فكرةٍ بسيطة في عقل شخصٍ ما , أن يكون أمراً مؤثراً على كل الأحداث التي يمكن أن تحيط به لاحقاً , و كيف يستحق أمرٌ كهذا أن ينفق من أجله الملايين و الملايين , و أن يتم التخطيط له , و أن تتم برمجته و السعي من أجل الحصول عليه , و كأنما يقول بأن تطور المجتمعات الإنسانية خلال القرن الحادي و العشرين سيكون مرتبطاً بمجموعةٍ من الـ Inceptions تم إستخدامها من قبل مجموعةً من أكثر الوسائل تأثيراً و نفوذاً اليوم في عصر العولمة و ثورة المعلوماتية .
في سبيل خلق عمق حقيقي لهذا المضمون يعمد النص لرسم محورين , الأول هو مغامرةٌ غير تقليديةٍ بالمرة , يعمل من خلالها دوم كوب و فريقه على زرع فكرةٍ بسيطةٍ في عقل خصمهم من خلال رحلةٍ إستثنائية في العمق الثالث من عالم الأحلام , و الثاني إبقاء الوتر العاطفي للعلاقة المبهمة بين دوم كوب و زوجته الراحلة ( تؤديها الأوسكارية الفرنسية ماريون كوتيار في أفضل أداءات الفيلم ) مشتعلاً طوال أحداث المغامرة , محوران يستندان للجوهر ذاته ( التأثير البالغ الذي يمكن أن تحدثه مستقبلاً فكرةٌ بسيطة في عقل روبرت فيشر , أو أحدثته سابقاً فكرةٌ بسيطةٌ أخرى في عقل الزوجة الراحلة ) ثم توحيد المحورين بطريقةٍ تخدم عمق النص , و ترينا صورةً ختامية لحجم التأثير الذي يمكن أن تبلغه الفكرة عندما تجد من يزرعها بشكلٍ جيد .
وسط كل هذا لا يمكن للمتابع الحقيقي أن يتجاوز إصرار نولان على رش بعض البهارات السينمائية هنا و هناك , و مهما حيّد المرء ذاكرته السينمائية فلن يستطيع القفز بها و مراوغة أفلامٍ كثيرةٍ يبدو تأثر الفيلم بها واضحاً , بدءاً من أفلام جيمس بوند و Mulholland Drive و Ocean’s Eleven و Adaptation و The Matrix وصولاً إلى Dark City و Eternal Sunshine of The Spotless Mind و Shutter Island مروراً بـ Citizen Kane الذي يحييه نولان على طريقته من خلال مروحةٍ ورقيةٍ تحمل مذاق روزبد !!
و على الرغم كل هذه البهارات إلا أن الفيلم يستمد قوته الحقيقية من أصالته , يبدو و كأنما هو زيٌ غايةٌ في الحداثة و الأناقة مصنوعٌ من قطعٍ رثةٍ و مستهلكة , نراها و نستبينها بوضوح لكننا لا نستطيع إنكار أناقة النتيجة الختامية , جمال العمل الحقيقي يكمن في أنه يضع لنفسه قبل كل شيء صورةً واضحة و هدفاً بيّناً و يحدد لنفسه طريقة الوصول إليه , ثم يستخدم طرقاً تقليدية في كثيرٍ من الأحيان من أجل الوصول إليه , لا يهتم كثيراً بكيفية حدوث الحدث , بل يتأمل فقط في نتائج حدوثه , لنا بسهولةٍ أن نستبين أن جميع مشاهد المطاردات في الفيلم غير جذابةٍ و تبدو بلا روح , و هو أمرٌ قد يستهجنه البعض خصوصاً مع رجلٍ صنع في يومٍ من الأيام فيلماً يدعى The Dark Knight , لكن كريستوفر نولان يخبرنا بشكلٍ واضحٍ جداً بأنه لا يهتم بالكيفية , لأنه أخذنا أساساً في رحلةٍ ضمن حلمٍ يفترض هو ذاته منذ البداية إحتمالية حدوث أحداثٍ غريبةٍ فيه , لكنه عندما يتعلق الأمر بالعمود الفقري للإثارة في فيلمه يعلن لنا بشكل واضح أيضاً بأنه سيرينا شيئاً لم نشاهده من قبل , و المتوالية التي تضرب الشاشة لنصف ساعةٍ كاملة بين سقوط السيارة و إرتطامها بالماء في البعد الأول من الحلم هي واحدة من أجمل المتواليات السينمائية التي شهدها عام 2010 , و أحد أجملها على الإطلاق .
و مع أن نولان يحاول إثارتنا في بداية فيلمه من خلال لقاء دوم كوب و سايتو , و لا ينجح كثيراً بسبب جهلنا بالشخصيتين , إلا أن قيمة هذا اللقاء تبدو كبيرةً مع وصولنا إلى الذروة , عندما نفقد أهتمامنا بكيفية تطور الأحداث و ينصب إهتمامنا على النتائج التي تولّدت عما حدث , و كيف وصل الحال بدوم كوب لما وصل إليه مطلع الفيلم , أمرٌ ذكرني تماماً بما فعله الرجل في Memento , يومها جعل كريستوفر نولان مشاهديه يتشبثون بأماكنهم و هو يعود بهم إلى الوراء ليعرفوا كيف حدث ما حدث , نولان مرةً أخرى و على العكس من ذلك يجعل مشاهديه يتشبثون بأماكنهم و هو ينطلق بهم نحو الأمام لمعرفة كيف وصل بطله إلى ما وصل إليه .
في الختام يمكنني أن أقول بأن Inception هو تجربةٌ تستحق أن تُخاض , و فيلمٌ يستحق أن يُشاهد , واحدٌ من تلك النوعية النادرة من الأعمال التي تعتقد بأنك شاهدت كل جزء منها فيما مضى , لكنك تشاهد الصورة الكاملة الآن .. و للمرة الأولى , أولئك الذين إعتقدوا بأن نوعية أعمالٍ بمثل هذا التعقيد يصعب أن يتقبلها المشاهد العادي سيصدمون جداً بهذه النتيجة , و أولئك الذين إعتقدوا بأن الفيلم السابع في مسيرة كريستوفر نولان سيكون مجرد إستراحةٍ مؤقتة بين فيلمين من أفلام سلسلة باتمان .. سيخيب أملهم .. بشدة !
التقييم من 10 : 9
آخيرا أستاذ عماد كتبَ مراجعة عن فيلم ما ..
ردحذفهل تعلم أني كنت بـ إنتظارك بشغف لقراءة مراجعة جديدة لك , تأملت خير بفيلم "جزير شتر" لكن لم يحصل المأمول .. و من ثم إنتظرتك بـ هذا الفيلم و بالفعل حصل ما تمنيته ..
..
الفيلم يبدو من النوع الثقيل الدسم بكل مقومات النجاح , لا أستغرب بذلك من المبدع نولان ..
لا أجد ماأقوله عن الفيلم لأنني لم أشاهده لهذه اللحظة , لكني متيقن بفيلم ملئ بالإبداع ..
لي عودة عن الحديث بعد المشاهدة
بـ إنتظار نسخة البلوراي ..
..
يعطيك العافية أستاذ عماد ,, بـ إنتظار مراجعاتك دوما..
-
ردحذفالله يعافيك بو جاسم .. ألف شكر و بإنتظار عودتك
تحياتي
-
شكرا على التحليل الممتاز
ردحذفعماد
ردحذفيا لبؤسنا إن كنا سنحظى بمراجعات أفلام كلما اتى فلم مبدع كهذا الشيء الخرافي المسمى انسبشين لأننا بكل تأكيد لن نشاهد مثله مرة اخرى إلا بعد سنوات .
الفلم مدهش بكل أمانة ورائع بحق .
كريستوفر نولان فجر المفاجأة بهذا الفلم الخطير. فبعد ذا دارك نايت بسنتين يعود بهذا وكأنه بهذا يوجه رسالة لصاحب التايتنك الذي استغرق 15 سنة ليخرج فلم بصري فقط !
لدي سؤال
ما رأيك بالنهاية ؟ هل ما زلنا في الحلم؟ أم انه الواقع