كتب : عماد العذري
مطلع هذا الشهر إفتتح المخرج و السيناريست و المنتج المرموق مايكل مان فيلمه الجديد و أحد أكثر أفلام العام إنتظاراً Public Enemies , ملحمة العصابات الجديدة التي يقوم ببطولتها النجوم جوني ديب و كريستيان بيل و ماريون كوتيار , و هو الفيلم الذي يقدم العام الأخير من حياة جون ديلينجر أشهر سارقي المصارف في التاريخ الأمريكي الحديث , قوبل الفيلم بإنقسام نقدي عجيب من واقع كونه قسم النقاد في جميع تفاصيله , منهم من إمتدح النص و إعتبره نقطة قوة الفيلم و منهم من إعتبره ثغرته الحقيقية , منهم من راقه أسلوب التصوير بالديجيتال و منهم من إعتبره لا يتناسب مع فيلم عصابات كلاسيكي , منهم من إمتدح بشدة أداء جوني ديب فيه , و منهم من إعتبر كاريزما الرجل تطغى على سحر جون ديلينجر نفسه , و هو إنقسام ( و إن كان قد مال إجمالاً تجاه المناصرين للفيلم ) إلا أنه شكل حافزاً أكبر ربما على مشاهدته و الحكم عليه ..
يتابع الفيلم المساعي التي يبذلها عميل الـFBI ميلفين بورفيس من أجل الإيقاع بأشهر سارقي المصارف جون ديلينجر الذي تحول إلى بطل شعبي لدى العامة بسبب كونه يسطو على المصارف التي يراها الكثيرون السبب الأهم في موجة الكساد التي تجتاح البلاد , الرجل لم يكن من الممكن الإيقاع به بسبب براعة ما يفعله , قبل أن يظهر جي إدغار هوفر رجل القانون الذي ينضم للفريق في مكتب التحقيقات و يصمم على الإيقاع بديلينجر و عصابته , الأمر الذي يقود ضمن تداعياته و بفعل براعة ديلينجر إلى حل حاسم في مكتب التحقيقات الأمريكي : تجنيد مجموعة من منفذي القانون السابقين ضمن المكتب و تنظيم مجموعة من الوشايات و الحيل بطريقة تجعل حتى المجرم الأول في أمريكا عاجزاً أمامها ..
الفيلم قوبل بترحاب نقدي شديد من قبل بعض النقاد الذين مالوا أحياناً لإستخدام بعض العبارات الرنانة , مثل بول سالفن الذي كتب في مقاله ( إنه فيلم حقيقي , ذلك النوع الذي تتفاخر بأنك دفعت نقوداً من أجل حضوره ) , أو توني ماكلين الذي إعتبره ( وجبةً لذيذة ) , أو الناقد الكبير بيتر ترافيرز الذي كتب في مقاله في الرولينغ ستونز بأن الفيلم ( ديناميت سينمائي ) , أو الناقد الكبير ريكس ريد الذي كتب عنه بحماس في النيويورك أوبزرفر ( فاتن , مثير , ممتليء , و عابق بالأكشن , أحد أفضل أفلام العام ) , و وصفه إريك دي سنايدر بأنه ( دراما جريمة مقدمة بشكل مثالي , لا تقايض الذكاء بالإثارة بل تقدم الكثير من كليهما ) , و إعتبره بيتر زوتشينسكي (عملاً مفصلاً بدقة و مصمماً بشكلٍ فاخر يستطيع البقاء مهماً على الرغم من قصته المألوفة للكثيرين ) , بينما جاءت عبارة دانا ستيفنز شاعريةً حين وصفته في مقالها بأنه ( يبدو مثل إمضاء اليوم في التجوال في متحف شمعٍ جميل يستلهم أفلام العصابات القديمة ) ..
بالمقابل إستخدم نقادٌ آخرون عبارات شديدة اللهجة لوصف شعورهم السيء تجاه الفيلم , فكتبت ستيلا بابامايكل ( أسوأ جريمة في الفيلم هو أن القصة ببساطة مملة ) , في حين جاء في مقال أنتون بايتل ( مثل ديلينجر , الفيلم عاش بسرعة , ليموت شاباً ) , بينما إعتبر مايكل أيه سميث بأن ( الفيلم يسير دون أي رتم أو دافع ) , و وصف آرموند وايت ما شاهده بقوله ( لا يفتقر مايكل مان فحسب للكفاءة القصصية في تقديم فيلمٍ على الطراز القديم , بل أن صورة الفيلم ذاتها تلهم نفوراً تجاهه ) , و كتب كيث أوليك ( قد يبدو الإنتقاد شديداً إذا ما قلنا بأن الفيلم يشبه جثةً ممزقةً بالرصاص تحاول التعلق بالحياة , لكن هذا هو الشعور العابر الذي شعرت به و الذي رسخه مايكل مان على مدى أكثر من ساعتين ) , بينما جاءت عبارة وايلي وافل لاذعةً عندما قال ( كان يمكن أن يكون معركةً للذكاء و الإرادات , لكنه أصبح معركةً للبقاء مستيقظاً ! ) , و جاءت بعض عبارات الهجاء شديدة العمومية حيث كتب الناقدان فريديريك و ماري آن بروست ( فيلم عصابات ممل و خالٍ من الحياة و يختفي بسرعة من الذاكرة ) , و بدى الأمر نوعاً من السخرية في مراجعات البعض الآخر , حيث وصفه فرانك سوايتك بأنه ( جثة أنيقة , مقيدة بأداءات غير جذابة من نجومها ) , بينما إعتبر فيوري ماستراتشي ما فعله نجومه و كتابه و مخرجه ( أو The Stars كما يقال ) نوعاً من الجريمة التي لا تغتفر , و كتب ( الفيلم يظهر الفرق بين نوعين من المجرمين : الفرق بين الـ Gangster و الـ Gangstar ) , و إستلهم ألونسو دورالدي قصة جون ديلينجر ذاتها ليوجه تحذيراً هجائياً لمشاهديه عندما كتب ( حتى إذا كنت عاشقاً لأفلام العصابات , فإن هذا الفيلم سيجعلك – مثلما فعل جون ديلينجر في آخر ليلة من حياته – تتمنى لو أنك شاهدت فيلم Manhattan Melodrama عوضاً عنه !! ) ..
لكن الفيلم من وجهة نظر مغايرة لم يكن سيئاً إلى هذه الدرجة المظلمة , خصوصاً مع كم المراجعات الإيجابية و المديح الذي لقيه من قبل الكثيرين لدرجة دفعت مواقع التوقعات لوضعه ضمن الأسماء المحتملة لحجز أحد المقاعد العشرة المرشحة لأوسكار أفضل فيلم هذا العام , فريتشارد لوك ناقد القناة الرابعة البريطانية وصف الفيلم بـ ( أفضل أفلام مايكل مان منذ Heat , و هو بشكل قابلٍ للجدل أفضل فيلم صنعه أي شخصٍ منذ Heat ) , بينما كتب إيان ناثان في مقاله في Empire ( هذا فيلم حي بطريقة لم نعشها من قبل , تجربة بصرية مدهشة , إثارة أكشن مصورة بطريقة دقيقة للغاية , و قطعة كلاسيكية معتبرة من الفن الأمريكي ) , بينما كتب ديفيد إدوارد في مقاله في الدايلي ميرور ( كما حدث مع Heat , مايكل مان لا يقدم فحسب دراما الجريمة الأفضل خلال العام , بل ربما خلال العقد أيضاً ) , و إعتبرته الصاندي ميل في مقالها بأنه ( فيلم العصابات الأفضل خلال أجيال ) , بينما وجهت كاميلا ألبيرتسون رسالة لمعجبي مايكل مان عندما قالت ( لأولئك الذين أحبوا Heat , هذا عملٌ مبهر ) , و أكدت ليز براون الرسالة ذاتها عندما كتبت ( فيلم مايكل مان هو فيلم لمايكل مان , و جمهوره لن يخيب أملهم به ) , و كان رأي براندون فيبز مشابهاً عندما وصف الفيلم بـ ( ملحمة عصابات يمكن إعتبارها بسهولة أفضل ما قدمه مايكل مان خلال أكثر من عقد ) , و هي الجزئية ذاتها التي ركز عليه إيمانويل ليفي الذي إعتبر الفيلم ( أكثر أفلام مايكل مان جرأةً و طموحاً منذ Heat ) , بينما ركز روب جيمس على خصوصية الفيلم كفيلمٍ لمايكل مان و ليس لأحد آخر , و قال ( إثارة السوبر ستار هذه تبدو كشيء مفاجيء , ساحر , و رائع على الصعيد التقني , لا تتوقع فيلماً لهوليوود , توقع فيلماً لمايكل مان ) , و ذهب كولين كوفيرت أبعد من ذلك عندما إعتبر بأن الفيلم ( يضع نفسه بعناية على الرف مع بوني و كلايد و العراب ) في إشارة للطريقة التي يقدم بها نفسه ضمن أفلام العصابات الموجودة في حقبته ..
و إمتدح بعض النقاد الإخلاص الذي إنتهجه مايكل مان في تقديم حقبة جون ديلينجر , حيث رأى ماثيو سورينتو القصة كـ ( واحدة من أكثر القصص الأمريكية أصالةً تأتي من واحدٍ من أفضل صناع السينما ) , بينما رأى الناقد الكبير روجر إيبرت أن جزء مهماً من جاذبية العمل تأتي من نجاح مايكل مان في الهروب من الشخصية الأسطورية لجون ديلينجر إلى الشخصية الحقيقية له , و قال في الشيكاغو صن تايمز ( هنا فيلمٌ يهمل الأسطورة التي نعتمد عليها للتعاطف مع مجرمينا ) , و هو رأي بدى مناقضاً تماماً لما رءآه شون أوكونيل الذي إعتبره ( أكثر إنفتاناً بديلينجر الأسطورة منه بديلينجر الرجل ) , و كتب ريني رودريغز في السياق ذاته ( فيلم مايكل مان الإستثنائي Public Enemies ضربٌ غير إعتيادي من أفلام العصابات , أعادة إحياء – بطريقة شبه إنطباعية – للعام الأخير في حياة واحد من أشهر سارقي المصارف في تاريخ الولايات المتحدة ) , بينما إعتبرت ماري آن جوهانسون بأن براعة مايكل مان في ترويض القصة آتية من الفضاء الزمني الذي يقدم شخصيته الرئيسية من خلاله , متجاهلاً ماضيها الإجرامي و التأثير المستقبلي الذي أحدثته , و قالت ( قصة فاتنة و لكنها مخيبة ؟ إنس ذلك . الدوافع التي تحرك الأبطال ؟ غير مهم . هذا فيلم يعيش لحظته الخاصة , ليس في الماضي و ليس في المستقبل ) ..
على صعيدٍ آخر إعتبر بعض النقاد قوة الفيلم نابعةً من بناء شخصياته المحنك و من جودة التعامل معها على الرغم من غطاء الأكشن الذي يغلف الفيلم , و كتب سيمون تومسون في مقاله ( على الرغم من وجود الكثير من أكشن المسدسات و مقاطع العنف , هذا الفيلم في الواقع هو عن الشخصيات التي تقدم هنا أفضل أفلام العصابات خلال العقد الأخير , و على الأقل , واحد من بضعة أفلام يجب أن تشاهدها هذا العام ) , و ركز نايغل أندروز إعجابه على الهوس الذي يصيب الشخصيات عند وقوعها في حبكة القط و الفأر , و قال ( Public Enemies فيلم أصيل لأن الجميع , الخارجون على القانون و منفذو القانون , المجرمون و الشرطة , يبدون و يتصرفون الشيء ذاته ) , بينما إعتبره مايك ماكغراناغان دراسة في النرجسية الإجرامية عندما وصفه بقوله (يبدو Public Enemies في جوهره صورةً ساحرة من الإفتتان بالذات الإجرامية ) , لكن كيمبرلي غاديت رأى الأمر بطريقةٍ مختلفة عندما كتب ( بعد كل هذا الكم من ( تبادل ) إطلاق النار , لم يتبق مكان للـ ( تبادل ) الإنساني ! , ليس للشخصيات الرئيسية و لا للثانوية أيضاً , و هذه المواهب التمثيلية الرائعة تلاشت مع دخان الرشاشات ) في إشارة للفقر الذي تعانيه شخصيات العمل , كما إعتبرت إيمي نيكلسون الضيق الذي عانته شخصية ديلينجر في الفيلم دون أي مهارة بنائية ترتقي بها هو مشكلة هذا العمل , و رأت بأنه ( فيلم سطحي و مباشر , و عندما يحاول سطرٌ أو إثنان الخروج عن المألوف للإرتقاء بحياة ديلينجر إلى مجالٍ أرحب , سرعان ما يتقهقران إلى الوراء ) , رأي يبدو مماثلاً لما كتبه كيرك هونيكت في Hollywood Reporter حيث إعتبر الفيلم ( فرصة مفقودة لصناعة فيلم عصابات بشخصياتٍ من لحمٍ و دم ) , كما رأى كريستوفر توكي في مقاله في الدايلي ميل بأن الفيلم لا يغوص عميقاً في هذا السياق , و كتب ( يكرس مايكل مان نفسه لجعل ديلينجر يبدو مألوفاً , و هذه هي المشكلة في الفيلم كله , يبدو عملاً معتبراً , لكن دون عمق , لا شيء يمكن أن يقوله , و لا زوايا جديدة للمشاهدة , يبدو فقط تحيةً للأفلام الأقدم ( و الأفضل )) , و هي جزئية عزاها جي آر جونز إلى التكثيف البصري الذي إنتهجه مايكل مان بطريقةٍ أفقدت الفيلم إهتمامه بالشخصيات , و كتب الناقد في مقاله في الشيكاغو ريدر ( يبرع مايكل مان في تصوير الغزوات المصرفية التي قام بها ديلينجر و عمليات إطلاق النار الدامية التي حدثت ليومٍ واحد بين مكتب التحقيقات و ديلينجر , لكن الفيلم خلال 140 دقيقة يكثف الإهتمام جداً بالحادثة لدرجة لا يتبقى معها مكان متاح للتعليق الثقافي على هذه المرحلة , أو حتى لبناء الشخصيات بشكلٍ جيد ) , و هي جزئية رأى الناقد توم لونغ بأنه سرقت بعضاً من عاطفة الفيلم بل و جردته إياها أيضاً , و قال لونغ ( فيلم أكثر إمتاعاً من كونه مليئاً بالتضمين , يركز الفيلم على التاريخ على حساب الأشخاص الذين عاشوا ذلك التاريخ , قصةٌ كاملة بدو تأثير عاطفي ) ..
من زاويةٍ أخرى إعتبر بعض النقاد الفيلم تائهاً عن مقصده الذي يفترض بأنه صنع من أجله , بل أن البعض إعتبر بأن الفيلم ليس لديه مقصد أساساً , حيث إعتبرت ويندي آيدي في مقالها في التايمز البريطانية بأن ( السينما ليس من واجبها أن تبدو عظيمة عندما يكون لديها شيء تقوله , لكن ليس من الواضح تماماً مالذي يحاول Public Enemies أن يقوله ) , و شاركها الرأي الناقد الشهير ساخديف ساندو في الدايلي تيليغراف الذي كتب (ما يرعب بخصوص Public Enemies هو عدم إدراكنا لماذا صنع ) , و في السياق ذاته إعتبرت أليستر هاركنيس أن ( مايكل مان لا يحول أي شيء من الفيلم إلى شيء متماسك , يبدو و كأنما قرر أن يقدم لنا الكثير من المواد الخام المذهلة و يتوقع منا أن نعمل كل ما بوسعنا لنجعلها تبدو مفهومة ) , و رأى إن في كوبر بأن الفيلم ( لا يقدم أكثر من نوبات هروب ضعيفة و مطاردات دون سياقٍ أو معنى ) , بينما كتب تاي بير في البوسطن غلوب ( يمتلك الفيلم كل شيء للمضي قدماً , بإستثناء الدافع و النص ) , لا بل أن ستيفن ويتي رأى الفيلم محاولةً سيئة لإستغلال الركود الإقتصادي العالمي في هذه الفترة كمحاولة لخلق مقاربة لحقبة الثلاثينيات , و تساءل الناقد (ما سبب صناعة فيلمٍ كهذا الآن ؟ ) , و إن كان يبدو تساؤله نوعاً من المبالغة على إعتبار الفيلم مشروعاً مؤجلاً منذ مدة في أجندة مايكل مان , علاوةً على أن كلام بعض النقاد الذين لم يرقهم الفيلم يبدو مناقضاً لبعضه , فليام ليسي رأى بأن أحد أهم مساؤي الفيلم هو تجاهله أصلاً لفترة الركود الإقتصادي كدافع يحرك جون ديلينجر , و كتب ليسي في غلوب أند ميل ( ما يغيب بغرابةٍ عن هذا العمل هو صورة البؤس و الركود الإقتصادي الذي جعل من جون دلينجر بطلاً شعبياًَ ) , و لا أدري أي صورة لقصور الفيلم تبدو أوضح من الأخرى ..
بالمقابل مال بعض مناصري الفيلم لإمتداح البعد البصري فيه , خصوصاً مع لجوء مايكل مان في فيلمه للتصوير بالديجيتال و ليس بالفيلم الخام , علاوةً على المحاكاة الإستثنائية لشيكاغو الثلاثينيات في الفيلم لدرجة وصفه بها البعض بأنه ليس فيلماً عن الجريمة في الثلاثينيات , بل هو فيلم ثلاثيني عن الجريمة , و إمتدح ريتش كلين الغنى الذي يقدمه مايكل مان لفيلمه من خلال البعد البصري الشاعري فيه , و قال ( يقارب مايكل مان بين فيلمه هذا و الشعر , من خلال عمل الكاميرا و المونتاج , من أجل التركيز على العواطف و العلاقات الداخلية بينما يبقي الأشياء محدودةً و أصيلة , و على الرغم من ذلك , هو أيضاً فيلم أكشن ممتاز ) , بينما كتبت ريبيكا ميري ( يبدو الفيلم قطعة جذابة و محكمة الصنع , مثل رحلة ساحرةٍ عبر التاريخ الأمريكي ) , و إمتدح الناقد الكبير كينيت توران هذه الجزئية و إنعكاسها الواضح على الشخصيات أيضاً في مقاله في اللوس أنجلوس تايمز ( في Public Enemies يصنع مايكل مان فيلماً بمستوى صورةٍ عظيم , ذلك النوع الذي يمتلك قدرةً على تصوير الجانب المظلم من الروح بطريقة لا يمكن تجاهلها ) , و إعتبر روب توماس أن مايكل مان ينجح في الهروب ببعده البصري ليقدم الجديد على أفلام العصابات التقليدية , و قال ( الفيلم يعرف اللغة التقليدية لأفلام العصابات بشكلٍ جيد , و مع ذلك يأخذ مايكل مان هذه الجزئية و يروضها و يخلق منها شيئاً مثيراً و جديداً تماماً ) , و رأى تيم غرايسون أن قوة الفيلم تكمن في عدم طغيان بعده البصري – بالرغم من عظمته – على بناء الشخصيات فيه , حيث كتب ( كما هو متوقع , قطعةٌ لا عيب فيها و مكتملة على الصعيد البصري , لكن الأخبار الأكثر إبهاجاً هو أن هذا المخرج الذي ينشد الكمال دائماً لا يدع صورة الأكشن المبهرجة هذه تطغى و تكتسح شخصياته ) , لكن بيل غيبرون لم ير في الصورة ما رءآه غيره و إعتبر بأن ( مايكل مان يعتقد بأنه يصنع تغييراً بميله الجديد نحو التصوير بالديجيتال , لكن في الواقع هذا فيلم عصابات من الطراز القديم ) , بل أن الناقد كريس هيويت ذهب على النقيض تماماً و رأى بأن الصورة المبهرجة قد أثرت سلباً على الفيلم , و قال ( لدى مايكل مان أفكار بصرية رائعة , لكنه هنا – و ربما أكثر من فيلم Miami Vice – مفتون بالرؤية البصرية للأمور أكثر من إهتمامه بكون القصة أو الشخصيات مفهومين للجمهور ) ..
و رأى البعض الآخر بأن مايكل مان هو النجم الحقيقي لهذا العمل على الرغم من جاذبية القصة و النجوم و الصنف أيضاً , و قال الناقد الشهير مايكل لاسال في السان فرانسيسكو كرونيكل ( أخذ المخرج مايكل مان قصة جون ديلينجر و صنع دراما مليئة بالفزع و الأجواء الخاصة , 140 دقيقة لا يمكن أن تبدو طويلةً أبداً , سلسلة متعاقبة من المشاهد المثيرة دون أي عناصر ميتة ) , و إمتدح روبرت كالفيرت في مقاله في Premiere الريتم الذي سار عليه مايكل مان في صناعة الإثارة في فيلمه ( يبدي مايكل مان بعضاً من ضبط النفس هنا , و يرتقي بها بقوة في هذا العمل ) , آراء تبدو مناقضة لما رأته ديفا فيليز في الفيلم عندما كتبت ( عنوان عام ( تقصد إسم الفيلم ) لواحد من أكثر الأفلام عمومية و قابلية للنسيان منذ مدةٍ طويلة , حتى سحر جوني ديب الهائل لا يستطيع إنارة الضيق المطلق لهذا الفيلم المخيب ) , رأي بدى مشابهاً لما رءآه بوب بلوم الذي إعتبر بأن الفيلم ( كان لديه الفرصة ليصبح أحد أفضل أفلام البالغين خلال هذا الصيف , لكن فيلم مايكل مان يفتقر للشخصية , و يخفق في إستغلال موضوعه و طاقمه الرفيع المستوى , و هذه بحد ذاتها جريمة ) , في حين رأت كيتي ريتش بأن ( الفيلم هو سلسلة من الأطروحات , ليس هناك قصة , و ليس هناك شيء في حقيبة مايكل مان السحرية تجعله متماسكاً ) , و قال روبي كولن في السياق ذاته ( الأشياء المضيئة في الفيلم قليلة و تأتي متأخرة ضمن الـ 140 دقيقة التي يستغرقها الفيلم , هذا الفيلم محاولة فاشلة لصناعة فنٍ عظيم ) , لكن البعض الآخر إمتدح التجربة بحد ذاتها بغض النظر عن نتائجها , كحال الناقد أندرو أوهاغن الذي كتب ( ربما لم ينجح مايكل مان مع Public Enemies , لكن المحاولة مثيرة بما فيه الكفاية ) , و مال الناقد الشهير جيمس بيراردينيللي لإعتباره فيلماً مهماً , و كتب في مراجعته (على الرغم من أن Public Enemies لا يرتقي إلى ذروة Bonnie and Clyde أو The Untouchables , إلا أنه يبقى تصويراً فعالاً و مؤثراً للشهور الأخيرة من حياة واحدٍ من أشهر المجرمين في تاريخ الولايات المتحدة ) , و بدى على جو لوزيتو بعضٌ من التحفظ عندما كتب ( على الرغم من أنه لا يقدم فهماً عميقاً لموضوعه إلا أن سيرة جون ديلينجر التي يقدمها مايكل مان في هذا الفيلم هي قطعة فنية معمولة , بفضل براعة مايكل مان و بصمته الخاصة ) ..
من ناحيةٍ أخرى أسهب بعض النقاد الحديث عن التميز الذي يقدمه الفيلم كفيلمٍ هوليوودي يخاطب الفكر و العاطفة خلال هذا الموسم الصيفي , حيث تساءل كريستيان توتو في مقاله ( Public Enemies هو تماماً ما يستحقه الجمهور في الصيف : فيلم أكشن محنك و ذكي , لذلك أستغرب : لماذا يبدو مخيباً ؟ ) , و كتبت ليزا كينيدي ( فيلم Public Enemies رائع و صلب كما يتمنى المرء لفيلم الصيف المحاط بالضوضاء و الترقب , و من الصعب أن نقول أن فيلم مايكل مان هذا يفتقر للضوضاء و الترقب ) , و وصفه كالفن ويلسون بقوله ( فيلم محبوك في ترفيهه , Public Enemies ليس من نوعية الأفلام التي تتوافق غالباً مع أفلام الصيف , لكنه يمتلك أيضاً قوةً نارية ليصبح فيلم صيف ناجح ) , و رأى أورلاندو بارفيت بأن ( الفيلم يثبت بأنه يمكنك أن تقدم فيلم أكشن يقوده نجم و تقدم به قوةً عاطفية و عميقة في ذروة موسم أفلام الصيف ) , و قال جيمس روكي في مقاله ( Public Enemies ليس من نمط أفلام الصيف الضخمة , لكنه يأسر العقول و الأحشاء أكثر من أي فيلمٍ آخر موجودٍ الآن , يقف كفيلمٍ ساحرٍ يستحق التأمل خلال عطلة عيد الإستقلال ) , بينما كتبت مويرا مكدونالد ( يعرف مايكل مان جيداً كيف يتعامل مع أفلامٍ كهذه , يقدم سيمفونيات حقيقية من تبادل إطلاق النار , و الفيلم يبدو رائعاً للجمهور , و جميلاً في ترويضه ) , و رأى فيه روب فوكس مثالاً يحتذى عندما كتب ( ينجح Public Enemies في الحصول على كعكته و إلتهامها أيضاً , و يظهر للصناعة الهوليوودية الطريق الذي يجب أن تقتدي به ) , و كتب مارشال فين حول خصوصية هذا العمل بين أقرانه في هذا الموسم ( ليس من نوعية الأفلام التي تستجدي الجمهور لحبها , أو تحاول إغواء الجمهور من خلال مظهرها , و ما أن ينتهي حتى تشعر بأنك شاهدت شيئاً ثقيلاً و مهماً ) , و هو رأي لم يبتعد كثيراً عن رأي الناقد شارل غانت الذي وصفه بـ ( فيلم صنع لتحترمه أكثر من أن تحبه ) , جزئية لمستها في أكثر من مقالٍ نقدي و كأنما هو تلميح واضح على كون الفيلم يخاطب الفكر أكثر من إهتمامه بالعاطفة , و إن كان الناقد مورياريتي قد توقف عند الجديد في الفيلم عندما تناول هذه النقطة , حيث كتب ببعض الحماس ( دخول ذكي و صلب إلى سباق الخيول الصيفي ( يقصد موسم الصيف اللاهب ) هذا العام , و تذكار لطيف لمايكل مان , على الرغم كونه لا يقدم شيئاً جديداً ) ..
البعض الآخر من النقاد حاول إمساك العصا من منتصفها , فتطايرت العديد من الجمل النقدية التي بدت متشابهةً أحياناً , فكتب فريد توبيل ( جيد و ليس عظيم ) , و بيلي غوديكونتز ( Public Enemies فيلمٌ جيد , و أحياناً جيدٌ جداً , لكنه كان يمكن أن يكون عظيماً ) , و كيم فوينار ( Public Enemies ليس فيلماً سيئاً , هو فيلمٌ مسلٍ غالباً , لكنه كان يمكن أن يكون فيلماً عظيماً جداً في الكثير من جوانبه , لسوء الحظ هو لم يكن كذلك ) , و شارل كوبلينسكي (عظيم المظهر لكنه إخفاق ممل ) , و توني ميدلي ( فيلمٌ مخلص جداً للحقائق لكنه لسوء الحظ يخفق كفيلمٍ ترفيهي ) , و ستيفن زاكاريك ( مزيج غريب من الإرضاء و الإحباط ) , في حين كتب ديفين فاراسي (على الرغم من أن الفيلم معمول بشكل جيد , بأداءت جيدة , و نص جيد , إلا أن الفيلم يفتقر للشرارة المركزية التي تجعله مميزاً فعلاً ) , و لخصت جينا بوش الأمر بقولها ( أداءات عظيمة و تصوير عظيم لكن الفيلم لا يستطيع أن ينال إستحواذك ) , بينما إعتبرت جيم جودي بأن الفيلم ( لا يقدم ذات القوة الدافعة للتستوستيرون التي حولت بعض أعمال مايكل مان المبكرة إلى كلاسيكيات ) , و رأى جوش بيل بأن الفيلم ( يفشل تنفيذه غالباً في الإرتقاء إلى مستوى طموحاتك , لكنه مثل أفلام مايكل مان , لديه مستوى من الجدية و الحرفية الكافيتين لإسترعاء إنتباهك ) , و قال كايث كوهين في مقاله بأن الفيلم ( يتمكن من التماس مع إهتمام المشاهد , لكنه كان يمكن أن يكون أفضل بكثير لو تمكن من تطوير إهتمام أعمق بجانبٍ من جوانبه أو بآخر ) , في حين إعتبر تيم برايتن الفيلم ( ليس عظيماً لكنه جيد جداً في الكثير من النواحي , و يقدم بعض اللحظات المفردة بعظمةٍ حقيقية ) , و كتب إيثان ألتر عنه ( على الرغم من أن بعض عناصره محبطة , إلا أن الفيلم يبقى في بالك طويلاً بعد إنتهاءه ) , بينما أجرى نيك روجرز مجاراةً لفظيةً بين كلمتي Heat و Warmth حيث إعتبر هذا الفيلم دفئاً أكثر من كونه حرارة ! و إعتبره مزيجاً من أسلوب مايكل مان مع بعض أفلام صديقه المقرب مارتن سكورسيزي الأخيرة , و كتب روجرز (هذا الفيلم ليس Heat , بالنسبة لقصة الرجل المسئول عن تنفيذ القانون يمكن أن نسميه Warmth ! , ينبثق بطريقةٍ ثقيلةٍ و ناقصة من نسخةٍ عنيفةٍ لـ The Aviator و نسخةٍ خاصة بمايكل مان من Gangs of New York , لكنها رغم ذلك نسخة مدروسة و مثيرة و مهمة ) ..
و نالت الأداءت في الفيلم الكثير من الإهتمام النقدي , و تراوحت بين الإعجاب الشديد أو الإنتقاد لكاريزما جوني ديب و جاذبيته التي جذبت شخصية جون ديلينجر إليها عوضاً عن الذهاب في إتجاهها , و إن كانت أغلب المراجعات قد مالت لإعتبار الرجل يقدم الشخصية بطريقةٍ تستحق الثناء و ينجح تماماً في إكسابها سحراً حقيقياً مستغلاً الجاذبية و القبول الواضحين الذين يحظى بهما نجم هوليوود الأول ..
و كتب ماثيو تيرنر عن الأداءات في الفيلم ( هذا فيلم غاية في الإمتاع , قصة مثيرة رفيعة الإخراج , مع طاقم عملٍ رائع , و أداءات قوية من جوني ديب و كريستيان بيل و ماريون كوتيار ) , و إعتبر جيف فايس أداءت الفيلم هي مكمن سحره , و قال ( يستحق هذا الفيلم أن يشاهد من قبل شريحة كبيرة من الجمهور , يقدم أداءات رائعة من قبل طاقم ممثليه , خصوصاً الرئيسيين ) , بينما رأى الناقد آدم فيندلمان أداء كريستيان بيل كنقطةٍ سلبية للفيلم عندما كتب ( على الرغم من بعض اللحظات الضعيفة فيه , و أخرى توشك فيها على التثاؤب بسبب أداء كريستيان بيل , إلا أن Public Enemies يتألق بجزئيتين حاسمتين و مهمتين بين أفضل ما قدم حتى الآن في عام 2009 : جوني ديب , و التقديم شديد الدقة لبيئة شيكاغو الثلاثينية ) , و رأى بعض النقاد بأن السحر الحقيقي لهذه الأداءات يكمن في الكيمياء الرفيعة المستوى بين جوني ديب و ماريون كوتيار , لدرجة دفعت البعض للمطالبة بأن يتم جمع النجمين في فيلمٍ رومانسي صرف , و إمتدحت أيفي آفر أداءهما بقولها ( يحق للفيلم أن يفتخر بالأداءات الصلبة من جوني ديب و ماريون كوتيار ) , في حين إعتبرت كيمبرلي جونز بأن جوني ديب هو الدافع و المحرض الرئيس لهذا الأداء الرفيع من كوتيار , و رأت بأن ( ديب يحرض بهرجة رائعة في أداء ماريون كوتيار ) و هو الأداء الذي طفا بقوةٍ على السطح كواحد من أقوى المرشحين لخطف ترشيح للأوسكار في فئة أفضل ممثلةٍ مساعدة هذا العام ..
بالمقابل كثفت المراجعات حديثها عن الصولو الأدائي الذي يقدمه جوني ديب في الشخصية الرئيسية , و على الرغم من أن الناقد الكبير تود مكارثي بدى محبطاً بهذا الخصوص عندما كتب في Variety ( الفيلم يتأثر نوعاً ما بنجمه العظيم جوني ديب , الذي للأسف إختار أن يلعب دور ديلينجر بطريقة رائقة خجولة أكثر من كونها شعبيةً و إجتماعية ) , إلا أن نقاداً آخرين كثر مالوا لإمتداح عمل جوني ديب على دوره في الفيلم , حيث وصفه الناقد الشهير إيمانويل ليفي بـ ( الأداء الايقوني ) , بل أن الناقد الكبير ريكس ريد إعتبره في مقاله في النيويورك أوبزرفر ( أفضل أداءٍ في مسيرة جوني ديب ) , و قال الناقد جون ويرت في هذا السياق ( لعب جوني ديب دور جون ديلينجر بالسحر المعقد لشخصيته , لكن الممثل الشهير يؤديه بأسلوب رجل العصابات الأسطوري أيضاً ) , و إمتدح كيفن لالي جاذبية أداء الرجل بقوله ( عمل سينمائي رائع و أداء رئيسي جذاب من جوني ديب ) , في حين إعتبر جو نيوماير أن أداء جوني ديب هو العنصر الأهم في موازنة شخصية جون ديلينجر و منحها العمق المطلوب , و كتب ( بصورةٍ غير مفهومة يفتقر هذا الفيلم لإقناعنا بدوافع بطله , و مع ذلك يزود أداء جوني ديب المتعجل و المؤثر جداً لشخصية جون ديلينجر قوةً نارية كافيةً لجعله يبدو منطقياً ) , و رأت كلوديا بويغ بأن جوني ديب ينجح في الشخصية على الرغم من كونه لا يبهرجها مطلقاً و إن كانت تحتاج لذلك , و قالت ( أداء محدود لكنه فاتن من جوني ديب ) , و إعتبر نيل ميناو بأن ( جوني ديب يقدم أداءاً فيه الكثير من العمق الهائل و النضج و القبول ) , و تساءل روبرت باتلر (هل هناك أي دور لا يستطيع جوني ديب التمكن منه ؟ ) , بينما جاءت مقارنة الناقد مايكل سراغو بين النجم جوني ديب و نجوم السماء ذكيةً للغاية عندما كتب عن أداءه قائلاً ( جوني ديب يبدو كنجم من عدة نواحي : إنه يحتجز الجميع ضمن مجال جاذبيته ! ) .
* اللقطات من حفل إفتتاح الفيلم في مهرجان لوس أنجلوس السينمائي
0 تعليقات:
إرسال تعليق