بطولة : جوش برولين , جيمس كرومويل , إيلين بيرستين , إليزابيث بانكس , ريتشارد درايفوس , ثاندي نيوتن
إخراج : أوليفر ستون
منذ قرابة عقدين أصبح المخرج الأمريكي المتمرد أوليفر ستون واحداً من قلة من المخرجين الذين ربحوا جائزتي أوسكار في فئة أفضل إخراج , الأولى عن Platoon عام 1986 , و الثانية عن Born on The Fourth of July عام 1989 , القاسم المشترك بين الفيلمين كان حرب فيتنام , ربما تبدو هذه الجزئية وحدها كافيةً لتقريب الصورة عن مخرج مثل أوليفر ستون , الرجل الذي لامس بعد هذين الفيلمين عدداً من أهم القضايا الشائكة في تاريخ الولايات المتحدة و أكثرها تعقيداً , و نبش في ملف إغتيال كينيدي في رائعته الشهيرة JFK ثم عاد مجدداً إلى فيتنام من خلال حقبة حكم ريتشارد نيكسون في Nixon , و هو هنا في فيلمه الأخير لا يرى الأمر بعيداً جداً عن كونه بحثاً مستفزاً من قبل الحكومة الأمريكية عن فيتنام جديدة خاضها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش الذي رفض أوليفر ستون أن يراه يرحل عن البيت الأبيض قبل أن يقدم رؤيته الشخصية لما حدث في حقبته ..
إخراج : أوليفر ستون
منذ قرابة عقدين أصبح المخرج الأمريكي المتمرد أوليفر ستون واحداً من قلة من المخرجين الذين ربحوا جائزتي أوسكار في فئة أفضل إخراج , الأولى عن Platoon عام 1986 , و الثانية عن Born on The Fourth of July عام 1989 , القاسم المشترك بين الفيلمين كان حرب فيتنام , ربما تبدو هذه الجزئية وحدها كافيةً لتقريب الصورة عن مخرج مثل أوليفر ستون , الرجل الذي لامس بعد هذين الفيلمين عدداً من أهم القضايا الشائكة في تاريخ الولايات المتحدة و أكثرها تعقيداً , و نبش في ملف إغتيال كينيدي في رائعته الشهيرة JFK ثم عاد مجدداً إلى فيتنام من خلال حقبة حكم ريتشارد نيكسون في Nixon , و هو هنا في فيلمه الأخير لا يرى الأمر بعيداً جداً عن كونه بحثاً مستفزاً من قبل الحكومة الأمريكية عن فيتنام جديدة خاضها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش الذي رفض أوليفر ستون أن يراه يرحل عن البيت الأبيض قبل أن يقدم رؤيته الشخصية لما حدث في حقبته ..
في فيلمه الأخير يتعرض أوليفر ستون للصعود الإستثنائي للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ( أو دبيا كما درج على تداوله ) من حياة التسكع و ليالي الشراب مستنداً على الإسم المرموق لعائلة بوش و أملاكها و إرتباطاتها الواسعة , إلى مسيحي منبعث يرى في الخلفية الدينية له دافعاً و ركيزةً له نحو الموقع الأهم في البيت الأبيض , و يتطرق من خلال مراقبته لصعود جورج بوش و رحلته نحو البيت الأبيض الطريقة الهزلية التي بدا فيها الرجل عازماً على الحصول على مكانةٍ حقيقية في الحياة بعيداً عن دعم والده الذي كان حينها عضواً في مجلس الشيوخ عن تكساس , ثم محاولاته الوصول لمنصب حاكم تكساس , قبل أن يستعرض في اللب الحقيقي للفيلم الدوافع التي قادت الرجل إلى بدء ما أسماه ( الحرب على الإرهاب ) من خلال وجهات النظر المتباينة ضمن طاقمه المسمى بالصقور و الحمائم ..
الفيلم يسرد أحداثه بطريقة لا تبدو جديدةً على المشاهد لكنها في الوقت ذاته لا تبدو مستهلكة , السيناريو الذي كتبه ستانلي جي وايزر و أوليفر ستون يتعامل مع الفترة التي قضاها جورج بوش في محاولة تبني قرار بمهاجمة العراق بحجة ( أسلحة الدمار الشامل ) على أنها المحور الرئيسي للفيلم , و يتركها تنسل في الفيلم و تتخذ مواقعها في أرجاء الفيلم الذي لا يعمد هنا للسرد الخطي فيعود بنا إلى بدايات الرجل عام 1966 و يبدأ رحلته نحو القرار المتخذ بمهاجمة العراق , و يستريح أثناء مدة السرد في تأمل الوضع الذي يمر به الرئيس الأمريكي في فترة ما بعد الحرب على أفغانستان و علاقته بطاقمه الفريد , و يصور بطريقةٍ لا تخلو من كوميدية واضحة الحياة اليومية للرجل الذي إعتبر البعض حقبته الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة ..
أوليفر ستون يستعير في بدايات فيلمه صورة جورج بوش و عشقه القديم لرياضة البيسبول , هذه الصورة تتكرر أكثر من مرة خلال الفيلم , و يقدمها أوليفر ستون كمرءآة تعكس الوضع الذي يمر به جورج بوش في كل مراحل الفيلم , فنجده أحياناً يركض وراء الكرة , و أحياناً يلتقطها , و أحياناً لا يراها , و أحياناً يسقط أرضاً بينما هو يلاحقها , ربما تبدو هذه الصورة غير كافية لتمهيد الكوميديا التي يمتليء بها هذا الفيلم لكن تكراريتها تقدم خلاصةً كافية للطريقة التي يتعامل بها أوليفر ستون في هذا العمل مع شخصية الرئيس الأمريكي , يراه لاعب كرة بيسبول تعامل مع الحياة السياسية بعقلية كرة البيسبول التي تراوغه أحياناً و تطاوعه أحياناً أخرى لكنها يمكن أن تنتهي نهاية خاسرة إذا لم تجد لها لاعباً جيداً , إستعارة ربما لا تقدم الكثير ربما بسبب مباشرتها لكنها لاتفقد الفيلم شيئاً بالمقابل ..
أوليفر ستون يسخر بشكل شديد الوضوح من بدايات جورج بوش الإبن , شاب نشأ و هو يرى جده سيناتوراً في كونيكتيكت , ثم يرى والده سيناتوراً في تكساس , بينما هو يعيش حياة التسكع و الشجارات أيام دراسته في جامعة يال , قبل أن ينتقل لاحقاً للتنقيب عن النفط في تشيلي و يترك العمل هناك بسبب إستهتاره و إنغماسه في الشراب , قبل أن يقفز بنا خمسة أعوام إلى الأمام ليرينا بأن الوضع لم يتغير كثيراً , مشكلة صديقته الحامل تطفو على السطح علاوةً على كونه ما زال يعاني ذات المشاكل مع الشراب و العمل الذي يفضل أن يكون على علاقة وثيقة برياضة البيسبول ! , يرينا أوليفر ستون في هذه البدايات كيف يبدو الرجل عاراً على عائلته ذات التاريخ القيادي , هذه الفترة ربما تكون كافية لنسف الكثير من التوقعات و الآمال التي بناها منتظرو الفيلم عليه , أوليفر ستون يخبرنا باكراً جداً بأن فيلمه هذا لن يتجاوز كونه هجائية لحقبة جورج بوش الإبن , و الكوميديا التي تعبق بها أجواء العشرين دقيقةً الأولى من الفيلم تكون حسماً واضحاً لهذه الجزئية , هذا الفيلم ليس Nixon آخر , و في الوقت ذاته ليس JFK آخر , و رغم ذلك يحافظ أوليفر ستون على إيقاع متوازن إلى حد بعيد في هذه المرحلة , إيقاع لا يبدو قربه من القلب نابعاً من غوصه في السرد التاريخي بقدر ما يأتي ذلك بفعل السرد الهجائي اللذيذ الموظف بشكل جيد من قبل أوليفر ستون ..
أوليفر ستون يرتقي بهجائيته إلى مستوى أعلى عندما يتطرق للإنزياح التدريجي الذي شهدته مسيرة بوش نحو العمل السياسي , و كيف تلقى الدعم من قبل عائلته كي يلتحق بهارفرد و يبدأ بعض الأعمال التجارية , و يتطرق بطريقة لا تخلو من طرافة للكيفية التي قرر بها الرجل الذي فشل في أعمال التنقيب على النفط عام 1977 أن يصبح عضواً في الكونغرس عن تكساس وكيف يحدث هذا في ليلة شراب مع أصدقاءه المقربين , و حقيقةً لا يترك أوليفر ستون فيلمه يبدو بصورة الفيلم الكوميدي الساخر فحسب , هو يوظف بطريقة تستحق الثناء الأداء الممتاز للغاية من جوش برولين لجعل هذه التصرفات التي تبدو صارخةً في كوميديتها تبدو نابعةً من جوهر و دواخل الرجل , جوش برولين لا يبدو و كأنما يسخر من تصرفات جورج دبليو بوش , هو يقدم تصرفاته كما هي بطريقة تدفع أصلاً على السخرية , و يبدو في تقديمه للشخصية و كأنما يتوحد تماماً بل و حتى يقتنع بمنطقية التصرف الذي يقدم عليه جورج بوش , ربما هذا التوحد الممتاز هو ما يخفف من صورة الفيلم الهجائية الصارخة بطريقة يحمل فيها مشاهده على السخرية , هو يجعله يبدو و كأنما يسرد حقبة تاريخية يدفع سوادها بحد ذاتها على السخرية , أوليفر ستون ينأى بمشاهده عن أن يلعب دور المنفعل , هو يبدو هنا و كأنما يريده أن يلعب دور الفاعل , يسرد عليه ما يحدث ( بطريقة لا تخلو من كوميدية واضحة ) و يترك له حرية أن يسخر كما يشاء ..
بطريقة أخرى يقدم أوليفر ستون جورج بوش في بدايات العمل السياسي ( وبفعل أداء صلب فعلاً من جوش برولين ) يبدو و كأنما هو شخص إعتيادي , يعيش على تلقائيته , و هو ما لا يتناسب مطلقاً مع قوة القيادي و حنكة السياسي , هذه الصورة لا يجبرك أوليفر ستون من خلالها على تبني رأي سلبي تجاه الرجل , هو يجعلك تقتنع بأنه الشخص الغير المناسب للمكان الذي وضع فيه , هذه التلقائية تؤثر بطريقة فعالة للغاية على نفسية المشاهد الذي سرعان ما يشكل صورة جيدة المعالم ليس فقط عن عفوية الرجل و تلقائيته , بل تجعله يرسم له بعض ملامح الغباء بسبب الطريقة التي يتعامل بها مع حملته الإنتخابية و مع بعض الأمور السياسية الهامة , هو يبدو منتقصاً حتى لعائلته , و ربما ما يجعل هذا الفيلم غريباً بعض الشيء هو كونه ينهج منظور ( الشخص الأول أو First Person ) في معالجة الأحداث , هذا الفيلم لا يتعمق في المعالجة النفسية للشخصية رغم حاجتها لذلك و رغم أنها تحتمل ذلك كثيراً , هو يلعب فقط دور المراقب لها , لا يحاول أن يجعلها تبدي مبرراتها أو تقدم تصوراتها الداخلية ( وليست الخارجية التي لا تعدو كونها مناورات و ألعاب سياسية ) , الفيلم يراقب و يناقش و يحاكم شخصيته الرئيسية دون أن يمنحها الفرصة للدفاع عن نفسها رغم أن هذا الدفاع كان ليمنح توجهاً سلبياً أكبر تجاهها , يبدو الفيلم و كأنما يقول ( هذا هو جورج دبليو بوش كما يراه أوليفر ستون ) و كفى ..
بالمقابل من شخصية جورج بوش الإبن يبدو أوليفر ستون في هذا الفيلم و كأنما يحترم جورج بوش الأب كثيراً , أو ربما هو إمعان في هجاء جورج دبليو بوش , يعتبر أوليفر ستون بأن جورج بوش الأب برغم الأخطاء التي إرتكبها إلا أنه في الأخير يبقى سياسياً محنكاً و رجل سياسة في المقام الأول , يرى أنه برغم إختلافه معه إلا أنه كان يمتلك فعلاً الشخصية القيادية , يبدو تركيزه على إظهار الرجل بالمظهر المحترم قسوةً ما بعدها قسوة , و كأنما يقول للرئيس الإبن : حتى بالنسبة لوالدك و أخطاءه فإنك تمثل عاراً عليه !!
نظرة أوليفر ستون لبوش الأب لا تبدو مثاليةً للغاية , الرجل سرعان ما يتطرق للتفصيل الأهم الذي لطالما ركز عليه في حقبة نيكسون و أفلام فيتنام , يقول بوش الأب عقب سقوطه أما بيل كلينتون ( ظننت بأن الحرب ستحافظ لي على الكرسي ) , أوليفر ستون يرى بأن المأساة تعيد نفسها و الأخطاء ذاتها ما تزال تتكرر , و الخطأ يبقى خطأ مهما حاولنا جلب المنطقية و الشرعية له , يرينا أوليفر ستون كيف أن بوش الإبن يعيد المأساة ذاتها في مشهد مناقشة الحرب على العراق مع طاقمه , المشهد الذي يستمر لعشر دقائق على الشاشة يبدو المحور الحقيقي لهذا الفيلم و النقطة المفصلية فيه , و الكيفية التي يقدم من خلالها أوليفر ستون طريقة مناقشة الأمور الحساسة بين الرئيس و طاقمه تبدو ساخرةً بطريقة مباشرة , كيف يمكن لشخص يتوه في مزرعته أن يدير العالم ؟!! و كيف يمكن لأشخاص مثل جورج بوش الإبن و توني بلير بأفكار من قبيل ( طلاء طائرة بشعار الأمم المتحدة و إسقاطها في العراق لمنح شرعية للإجتياح ) أن يديروا أعقد القضايا السياسية في العالم بالطريقة التي يفعلونها ؟!! و كيف أن رجلاً خاض حرباً إقليمية بحجة ( أسلحة الدمار الشامل ) لا يدري أي شخص في طاقمه هو المسئول عن مهمة إيجاد تلك الأسلحة المزعومة ؟!!, ربما هذه التساؤلات المهمة التي يدفع أوليفر ستون مشاهده إلى طرحها على نفسه هي ما تمثل العمق الحقيقي لهذه الصورة الهجائية التي يقدمها العمل ..
جوش برولين يقدم واحداً من أفضل أداءات 2008 يظهر ردات فعل الرجل و كل تصرفاته و كأنما هي نابعة من صميم جوش برولين دون ذرةٍ من تصنع , هذا أداءٌ مشبع فعلاً من واحد من أفضل الممثلين و أكثرهم بريقاً خلال الأعوام القليلة الماضية , و كما يأتي أداء ممتاز من جيمس كرومويل و إيلين بيرستين في دور جورج و باربرة بوش و أداءات متمكنة بحق من جيفري رايت في دور كولن باول و الممثل الكبير ريتشارد درايفوس في دور ديك تشيني , يأتي بالمقابل أداء متصنع يسرف في المحاكاة ( غير المتقنة أصلاً ) لشخصية كوندوليزا رايس تقدمه ثاندي نيوتن ..
بصرياً يبدو هذا الفيلم من أكثر أفلام أوليفر ستون تقليديةً على الصعيد البصري , و رغم كونه يستخدم الكاميرا المحمولة أيضاً هنا إلا أنها لا تبدو ببريقها ذاته الذي كانت عليه في روائع أوليفر ستون السابقة , الأمر ذاته ينطبق على الموسيقى التصويرية و المونتاج ( الذي لطالما إشتهرت أفلام أوليفر ستون بمستواه الرفيع فيها ) هذه الجزئيات تصنع إيقاعاً حيوياً لذيذاً و ممتعاً في متابعته , لكنها تبقى روتينية و غير متميزة , ربما من واقع كون أوليفر ستون يراقب شخصيته في هذا الفيلم و يتأملها أكثر من كونها يوثقها أو يغوص في دواخلها ..
أوليفر ستون يعيد التوازن لمسيرته المثيرة للجدل بفيلم متوازن الإيقاع , لذيذ و قريب من القلب , لا يبدو فارغاً على الإطلاق , لكنه يبقى في مجمله نظرةً كوميدية غير مشبعة لشخصيةٍ كانت تحتمل الكثير في تقديمها و تحليلها و التعمق في دواخلها وصولاً في الخلاصة إلى السخرية منها ..
التقييم من 10 : 6.5
0 تعليقات:
إرسال تعليق