إخراج : جويل و إيثان كوين
لويلين موس المحارب الفيتنامي السابق تنتعش حياته عقب إكتشافه لشاحنة صغيرة تملأها ثقوب الرصاص التي نتجت عن معركة صغيرة بين طرفي صفقة مخدرات في إحدى قفار تكساس , و يكتشف إلى جوار كمية ضخمة من الهيروين حقيبة تحوي مليوني دولار يحملها و يعود بها إلى منزله , لكن الأمر لا ينتهي هنا , بل يبدأ , عندما توكل أطراف أخرى من الصفقة مهمة تقصي أثرها و إعادة الحقيبة إلى سفاح مجنون يقرر مصير ضحاياه من خلال عملة معدنية , لا يلبث أن يقتل موكليه و يمضي قدماً في إستعادة الحقيبة لنفسه , في المقابل الشريف بيل رئيس الشرطة العجوز يحاول بطرقه المعتادة الإبقاء على الأمن في منطقته و إحتواء العنف المتزايد الذي إنتشر مؤخراً
الفيلم الثاني عشر للأخوين جويل و إيثان كوين بعدما إبتعدا عن النجاح في فيلميهما السابقين هو تحفة سينمائية نادرة المثيل , فيلم عظيم و إستثنائي للغاية عن القدر و المصير و المستقبل , ربما ما جعل سيناريوهات الكوينز بهذه العظمة منذ إنطلاقهما عام 1984 هو قدرة السيناريوهات على تجسيد كل الدوافع و العواطف و الأحاسيس التي تكتنف شخصياتها دون الحاجة إلى عمل ذلك , الكوينز لا يسردون ما يحدث للشخصيات , الكوينز يصنعونها , أنت لست بحاجة لتعرف منبع الشجاعة الذي يدفع لويلين لمواجهة مجرم مجنون مثل شيغور , الكوينز لا يخبرونك , لكن يكفي أن تلقي نظرة بسيطة على الوضع المادي الذي يعيشه و يكفي أن تعلم أن الرجل كان في يوم من الأيام في فيتنام لتدرك أنه رأى الكثير في حياته و هو مستعد لتحدي الجحيم من أجل مليوني دولار , و قس على ذلك كل ما فعله الكوينز مع شخصية شيغور أو الشريف أو حتى مع شخصية الزوجة , هذان الأخوان عبقريان بحق , قدرتهما على تأسيس الظروف و الدوافع إستثنائية , وهي هنا تبدو في أفضل حالاتها , هم قادرون على أن يفعلوا الكثير حتى في مشاهد صامتة , و الأكثر عبقرية هو مقدار الثقل الإخراجي الذي يتجاوزان به المسحة الكوميدية للنص , على الورق يبدو مشهد إلقاء العملة باعثاً على الضحك , لكن على الشاشة لا يسمح الكوينز لمشاهدهم حتى بالتفكير بالإبتسام , هم يقتلون تلك الإبتسامة من خلال عملهما الإخراجي هذا رغم وجودها في النص , وهي جزئية مدروسة و ذات هدف , الكوينز يرسمون أي عالم مظلم نعيش فيه و أي مستقبل نأمله , و أي قدر نحاول الهرب منه , و أي مصير ينتظرنا , لم أشاهد في حياتي مشهداً يمكن أن يجسد هرب الإنسان من مصيره نحو المجهول أكثر من مشهد مطاردة السيارة لليولين عند الغروب عندما عاد ليروي ظمأ المكسيكي , فيلم عن زحف الحداثة نحو المجتمعات , و عن إنتصارها على كل ماهو قديم في عاداته أو تقاليده أو أفكاره أو قيمه , الشريف بيل يمر بأسوأ فترة من حياته , رجل بقي يدير بلدته ببساطتها و روتينها دون مشاكل طوال عقود , و هو الآن على وشك التقاعد , يتذكر الماضي المشرق لكنه لا ينظر للمستقبل , لأنه لا يوجد مكان لأمثاله في المستقبل , في نظرة الكوينز المستقبلية هناك شيء واحد : حكم الغاب , جزئية يرسمانها بعنف في المواجهة الأخيرة بين شيغور و الزوجة تحاكي نظيرتها بين فرانسيس مكدورماند و بيتر ستورمير في فارغو لكنها تختلف عنها : في فارغو خلق الكوينز إحساساً من الأمل , و من الخير الذي مازال موجوداً , عندما تنتصر مارغي على المجرم المجنون , الكوينز يقتلون الأمل هنا و يصبغون سوداوية حقيقية على مصيرنا , في فارغو خلق الرجلان نوعاً من الأخلاقيات و المباديء و الدوافع الموجودة في عقلية المجرم , في هذا الفيلم لا توجد مباديء أو إلتزامات أو حتى دوافع أحياناً , يمكن لرجل مثل شيغور أن يحصل على مليوني دولار بطرق أخرى كثيرة طالما أنه ماكينة قتل لا ترحم , لكن شيغور نفسه ربما لا يعلم بحاجته لهذا المبلغ أصلاً , و ربما هو لا يدري لماذا يصر على الحصول عليه , عالم من القوة المجنونة غير المروضة , الخالية من الأحاسيس , و المفتقرة للمباديء حتى تلك الإجرامية منها
عمل إخراجي عظيم رسخ قوته عمل تصويري عظيم من العبقري روجر ديكنز , و أداءات رفيعة من الطراز الأول من جوش برولين و تومي لي جونز و كيلي مكدونالد و صورة لا تمحى من الذاكرة رسمها الأسباني الرائع خافيير بارديم في شيغور تحاكي أعظم الصور التي جسدت للشر في تاريخ السينما , دون جدال هذا هو أكثر أفلام الكوينز تميزاً , فعلاوةً على كونه التجربة الإخراجية الأولى لهما معاً و فيلمهما الوحيد المقتبس بأكمله عن عمل أدبي , و فيلمهما الوحيد المتوج بأوسكار أفضل فيلم , فإنه لا يكتفي فقط بكونه أكثر أفلامهما قسوةً و دموية , بل هو بجدارة أعظمها على الإطلاق , الأول على قائمتي لأفضل أفلام 2007
التقييم من 10 : 10
لشراء الفيلم من أمازون
0 تعليقات:
إرسال تعليق