كتب : عماد العذري
بطولة : جولي كريستي , غوردون
بينسنت
إخراج : سارة بولي
باكورة أعمال الممثلة الكندية الشابة سارة بولي إقتباساً
عن قصة قصيرة كتبتها أليس مونرو , دراما عن غرانت و فيونا : زوجان عاشا معاً قرابة 40 عاماً في منزل ريفي جميل أساسه
الحب و بناءه عاطفة حبيبين و صديقين و زوجين , و عندما تبدأ ذاكرة فيونا بالإضمحلال
تقرر الذهاب إلى مأوى للعجزة , القرار الذي يشعل الأسى في قلب زوجها البائس وهو أسىً
يتفاقم مع قرار الدار حرمانه من زيارتها لفترة طويلة ليمنحها الفرصة على التأقلم مع
وضعها الجديد , لكن الرجل يقرر البقاء وراء زوجته مقدماً لها دعمه المعنوي حتى اللحظة
الأخيرة .
قصة مؤثرة تتحرى فيها سارة بولي تساؤلاً
معقداً (هل الذاكرة هي الغذاء الأساسي للعاطفة ؟) ، غرانت فقد في زوجته ذاكرتها
و وقع في موقف صعب : ماقيمة كل ما ستقدمه لها , أياً ما كان , طالما أنها لن تتذكره
و لن تتذكرك إلى الأبد ؟!! , مأساة تراجيدية توقع الرجل تحت ضغط كبير , غرانت يبقى على
العاطفة التي في قلبه , وطالما أن ذاكرتها تجاهه قد فقدت فإن ذاكرته الخاصة تجاه شريكته
مازالت باقية , رغم إدراك الرجل أن كل ما كان بينهما قد إنتهى إلى الأبد , و أنه لو
تجاهل ما يحدث و إنصرف لحياته فلن يكترث أحد للأمر , معضلة صعبة لم أشاهدها بهذا التعقيد
(الذي تستحقه) في أي من أفلام (الصمود الطويل) , تلك التي يقف فيها أحد الشريكين إلى جوار الأخر
في حالة مرضية أو وضع حياتي صعب في رحلة صمود طويلة , جميع تلك الحالات ترتكز على قاعدة
واحدة هي الأمل , و ركيزة الأمل الحقيقية هي الذاكرة (وطالما هو لا يتذكرني فلا معنى
لصمودي) , سارة بولي تخبرنا مبكراً أن فيلمها مختلف , هنا لا وجود للأمل مطلقاً
فبطلتها مريضة ألزهايمر تفقد ذاكرتها مع تقدم الزمن لكن عاطفة زوجها تجاهها كانت
أكبر من حدود الذاكرة و أقوى من عقارب الساعة , سارة بولي تحقق من خلال نصها تجلياً
عظيماً لردٍ كلاسيكيٍ على حقيقة (طالما هو لا يتذكرني فلا معنى لصمودي) ، تقول ببساطة (حتى وإن لم يتذكرني فإنني
أتذكره) .
غوردون بينسينت يقدم واحداً من تلك الأداءات التي لا تشعر
بقوتها إلا إذا تعمقت جيداً في تفاصيل شخصيتها , يرسم ذلك التوازن بين فداحة الفقدان
و ثقل الكاهل و العيش على الذكرى و العاطفة تجاه شريكة حياته , بالمقابل تقدم الديم جولي كريستي واحداً
من أفضل أداءات العام الماضي ببراعة ممثلة أسطورية , في بدايات الفيلم تستغل مدةً قصيرة
للغاية لتبرهن للمشاهد لماذا يحبها زوجها إلى هذا الحد (وهي حاجة ملحة لتأسيس معضلة
الفيلم) , وعندما تبدأ إنحدارها نحو هاوية الخرف تحافظ كريستي على نبرة عاطفية
صعبة للغاية (لا أدري كيف أبدعتها) وهي (على خلاف أدوار مماثلة تنصدم فيها الشخصيات
بواقعها الجديد) تقدم تجريداً مدروساً جداً للصورة التي تراها أمامها , الصورة التي
تعيشها , محاولاتها الفاشلة في التذكر , وفشلها في إدراك المشترك مع زوجها , و الأهم
عاطفتها تجاهه و حبها له , ثم فشلها في إدراكه هو ذاته , دون إنفعالات الصدمة المنفعلة
التي لا معنى لها مع إمرأة تفقد ذاكرتها , فمن يصدم بواقعه عليه أن يتذكر ماضيه ثم
يقارنه بواقعه الجديد قبل أن يصدم به , فيونا لا تتذكر ماضيها أصلاً و تعيش واقعها الجديد على أنه حياتها
الحقيقية في أداء عبقري من كريستي , إبنة الثامنة و العشرين سارة بولي مبشرة جداً
و إنتظروا منها الكثير .
التقييم من 10 : 9
0 تعليقات:
إرسال تعليق